|
|||||||
لا أحد قرب قبري
خزعل الماجدي
1 حوّلت جسدي إلى أوراق حوّلت جسدي إلى أوراق وملأتُ بيتي بغبار الكلام وأيامي كانت تتناسلُ في كتبي ورائحة عطنةٌ تخرجُ منها ما الذي فعلته بحياتي ؟
2
أقدامٌ عنيفةٌ تقرعُ ممرات حياتي أقدامٌ عنيفة تدخل أفكاري أقدامٌ غريـبة وموحشةٌ ومخيفة أقدامٌ في آخر العمر بينما أتأمل مصيري. 3
فمكِ من ذهب وفمي من فضةٍ وحكاياتنا قلائدٌ وأقراطٌ وخواتمٌ يلبسها الناس.
4 يوماً ما كانت السماء وجهتي أما اليوم فالسماء مثقوبةٌ و لا أرى سوى أعماقي تتقلب ، مع صخب مياهها، بالجنون. 5
أين دفنتُ حياتي؟ في أيِّ قبـرٍ من قبور جسدي؟ هنا في هذا القلب الحزين دائماً ! أم في هذه الحنجرة الخافتة ! أم في هذا الوجه الشاحب ! أينَ دفنتُ حياتي ؟ وأينَ صلّيتُ على غيابها ؟ 6
عندما نزلنا من الهواء فقدنا أجنحتَنا عندما خرجنا من المياه فقدنا زعانفَنا عندما وقفنا على اليابسة لبسنا أحذية .ً واليوم.. كل ما نفعله في حياتنا هو: استعادة تلك الأجنحة والزعانف وخلع كلِّ الأحذية !
7
بسبب ما خلّفه العمر من ترهات يصعب تذكرها الآن، فصول شاحبةٌ ستمرُّ وأعيادٌ مهجورة ستأتي وستكتسحني مثل نهر غاضب يقلعُ قصبةً كانت في العراء تغني. 8
ملعقةٌ صغيرةٌ من الماء لنشرب ملعقة من الضوء لنرى ملعقةٌ من الجنون لنحب ملعقةٌ من الخمر لنسكر ملعقةٌ من الطعام ملاعقٌ صغيرة لكل شيء هذه حياتنا في العراق حياة بملاعق صغيرة ! 9
عندما مزّقنا الشعارات أصبحَ الشجرُ أكثر اخضراراً الأولاد لبسوا ملابسَ أجمل وتحسّنَ خطهم ولعبوا وضحكوا أكثر. الرغيف أصبح أكبر واتسعت عيون الأبقار وسمعنا غناء الفلاّحات وتكاثر غزلُ الفلاحين وفي أقاصي السماء لمحنا طيوراً أكثر مرحاً وأكثر عدداً وتطيرُ في كلِّ الاتجاهات. عندما مزّقنا الشعارات 10 عندما دبغوا جلود الأفاعي وعلقوها في الريح النساء صمتنَ لزمن طويل.
11
عندما أطلقنا الرصاص إلى الأعالي لم يسقط مطرٌ ولم تندلعُ ريحٌ بل سقط دمٌ بلَّ رؤوسَنا وانتشر في أفكارنا. عندما ثقّبنا السماءَ بالرصاص لم يسقط منٌّ ولا سلوى ولم نشرب خمرةَ الفردوس بل اتّسع تيهنا وأصبحت صحراؤنا تغطي الأرضَ كلّها وتغطي نفوسنا عندما ثقّبنا السماءَ بالرصاص سقطت جثثُ الملائكةِ وأصبح من السهل إطلاق الرصاص في كل الإتجاهات وعلى بعضنا.. دون انقطاع. 12
أنتِ تمطرين نعم.. أنت تمطرين هذا الذي على جسدي من مطركِ وهذا الذي على السرير وهذا الذي على النافذة وذاك الذي يهطل في الشوارع.
13
الزمنُ يخلعُ عنا القشور مرةً بسرعةٍ ومرة ببطءٍ على مهله.. ودون مبالاة، ومتى أصبحنا عراةً القى بنا، بمرحٍ، إلى القبور.
14 الحروبُ أخذت قلوبنا وأخفتها في بنطلونات الجنود المهزومين مثل فتات الخبز أو مثل الإطلاقات الفارغة. 15
تركتُ الفيلةَ تعبثُ بحياتي لينبتُ لي خرطومٌ طويل ما أتعسني..
16 ستتَّسخُ هذه الأسلحةُ وسيعلوها الصدأُ والغبار سيضعها القادمون على الرفوف وسينسون أسماءها أما الدماءُ التي سالت بسببها فستضلُّ مدويةً الى الأبد في هذا العالم.
17 لا أحد قرب قبري سوى طيرٍ صغيرٍ يزيحُ بمنقاره الطين والعشبَ عن حبّةٍ عالقةٍ في ظلامي لا أحد !
|
|
||||||
|