فوزي كريم 

Fawzi Karim

بشارة الخوري:

 من صبا الشعر الى أُفق الموسيقى العالمية

 

    يبدو أن حقل الموسيقى الجدية (الكلاسيكية) مازال، وسيظل، منطقة شبه محرّمة على تطلعات المثقف العربي. لم يتردد، عبر معظم مراحل حداثته، في استثنائها كمصدر معرفة، من بقية مصادر معرفته التي استقاها من ثقافة الغرب: رواية، حداثة شعرية، مغامرات نقدية، مسرحاً، سينما، تشكيلاً...الخ. ولكنه، عبر هذه المراحل، لم يتورع من جعلها حلية يتزين بها في الظاهر، دالّةً ذات بريق على حداثته، وطليعيته. فلا بأس من تطعيم نثره بكلمة "سيمفوني"، و"بيتهوفن"، و"هارموني" بين الحين والحين، تماماً كما يطعم غرفة استقباله ببضعة اسطوانات مختارة. غافلاً أن مثقف الخبرة الموسيقية يعرف مقدار ما في هذا التطعيم من تشويه مؤلم لحضور رفيع المستوى كالحضور الموسيقي!

 

        خاطرة رمادية ألمّت بي وأنا اُصغي، محتفياً، لأعمال موسيقية جديدة لبشارة الخوري، صدرت مؤخراً عن دار النشر العالمية، NAXOS. وشاقني أن أُعرّفَ بها، وأعرف به، علَّ موسيقاه تستثير المثقف المتمنّع، لتصبح مدخلاً محفّزاً لإلحاق الموسيقى الجدية بمصادر معرفته العصرية. على أنها ارفع وأعمق هذه المصادر بالتأكيد.

    بشارة الخوري (مواليد 1957) حفيد الشاعر الكبير بشارة الخوري (الأخطل الصغير)، وابن الشاعر الحيي المتمنّع على النشر عبد الله الخوري. بدأ صباه شاعراً بتشجيع من أبيه، وكنت على مقربة منهما، أيام كنت أقيمُ في بيروت في سنوات المنفى الأول. حتى أني، رغبةً منهما، كتبتُ مقدمةَ مجموعته الشعرية الثانية، بعد أن شاركتُ في تقديم مجموعته الشعرية الأولى (71-1972). وانقطع عهدي بهما منذ ذلك الحين. قبل سنوات فوجئت بالصغير يشارة موسيقياً بهالة عالمية. كان قد غادر بيروت، بعد ان باشر فيها دراسة الموسيقى، الى باريس لإكمال دراسته (1978)، وللإقامة الدائمة فيها. بدأ التأليف الموسيقي منذ أيام بيروت، الى جانب عزف البيانو وقيادة الأوركسترا، وبدأت قاعات الموسيقى، الفرنسية والغربية، تقدم أعماله التي بدت غزيرة منذ 1983، وهي مرحلة مبكرة.

    في عام 1996 تعرّفتُ على أول إصدار له عن دار Florane الفرنسية (اسطوانتا CD). وكان يظم أعمالاً من فن "القصيدة السيمفونية"، تأملات قصيرة في أغلبها، و"قداساً جنائزياً"، وكونشيرتو للبيانو. الأعمال كانت تلفت النظر بالعناوين ذات الهاجس الشعري: بيروت الحرائق، رقصة الملاك، ليلُ المجنون...

وتلفت النظر أكثر بنزوعها الحار باتجاه التعبير، واتجاه الهدف الدال، وسط تيار موسيقي جارف باتجاه المغامرات التقنية، والتجريب الشكلي لذات التقنية والشكل.

أشعرني بشارة آنذات بالطمأنينة، لا ببزوع عربي في حقل الموسيقى الجدية فحسب، بل بالحفاظ الرائق على ذلك النسغ الغنائي الغني الحصين ضد الشكلانية الأكاديمية والشكلانية التجريدية، الجافتين على السواء. استقى معظم أعماله المبكرة من أحداث بلده الدامي لبنان، ومن طبيعته الجميلة.

    في مطلع القرن الجديد تبنت دار النشر الشهيرة NAXOS هذا الصوت الموسيقى العربي المليء بالنقاهة. فأصدرت له عدداً من الأعمال في إصدارين عام (2002)، سبق أن عرضت لهما في حينهما. وهاهي مع مطلع عام 2007 تواصل معه في إصدارين آخرين يظمان الأعمال التالية: كونشيرتو للفايولين، أعمال بيانو تحت عنوان "قصائد" مع أوركسترا، أعمال أوركسترالية قصيرة. والعناوين ظلت على تميزها الشعري: نيويورك، دموعٌ وامل. الأنهار الغامرة، أمواج، تأملات، قصائد...

    في كل أعماله يلحّ بشارة على هاجسه الإنساني، الاحتضاني، الرحب. وكأن العتمة المحيطة، والشرور المتربصة أبداً، لن يمنحا لحظةً لإغماضة جفن. موسيقاه التي تطمع بلحن سلام رائق عادة ما تُستفز وتعكّر بنتشازات وتوترات حادة، نجدها لدى الموسيقيين التعبيريين. في عمله "الأنهار الغامرة"، في خمسة مقاطع، تتشكل هذه الخصائص بصورة جلية. عناوين المقاطع على التوالي: ضباب، أغنية الصمت، إنذار، كفاح، أغنية الأنهار. الأنهار تشير الى الكائن الإنساني في مجرى الحياة، والضباب الى الضلال وانعدام الدليل (يتمركز هذا الاحساس في الصوت الخفيض لآلات الباسّون والأبواق الهوائية)، في حين تمنح أغنية الصمت فرصة للتأمل (لحن آلة الكلارانيت تحلق فوق الوتريات المشدودة)..وهكذا. الأعمال جميعاً تنحو هذا المنحى. على أن بشارة الخوري سرعان ما عبر مصادر إلهامه المحلية (من طبيعة وأغاني شعبية ورقصات لبنانية في أعماله الأولى) الى مصادر إلهام أوسع أفقاً، أو بتعبير موسيقي أدق، الى مصادر الموسيقى في مسار تطورها الغربي.

    وكما اجتهدت في مقدمة هذا الحديث، يمكن لهذا الموسيقي العربي الناشط، الذي وقف بجدارة في مصاف الموسيقيين العالميين الكبار، أن يكون مثفتتَحاً مشجعاً للراغب في اقتحام حقل الموسيقى الجدية، من أجل ان يُلحقها مصدراً خطيراً من مصادر معرفته كمثقف ينتسب الى عصره الحديث.

    موسيقى بشارة الخوري، شأن كل موسيقى كلاسيكية، لن تقوى على البقاء حية، مؤثرة، إذا ما ألحقت كحلية يتزيّن بها نثرُ المثقف، أو غرفة استقباله!!

    على رأس الفنانين المشاركين في إصداري NAXOS الجديدين، عازف البيانو الكبير عبد الرحمن الباشا، الى جانب فرق "كولن"، و"لندن سيمفوني" الأوركسترالية.

 

(نُشرت في جريدة الرياض في 29/3/2007)    

 

  

 

يوميات

 

عن الإيمان بقوّةِ الحياة!

 

الجديةُ والإحاطةُ وما دونهما!

الاستدارة المذعورة، ولكن للمستقبل!

حفنة مسرات أوبرالية

قبلة فرانتشيسكا الدامية

تلك الورقة البائسة!

حكاية الفارس الأخضر

ستة مصابيح داخل دخان الحرائق

استحالةُ أن تحصل على كتابك المفضّل دون دليل؟

استعادة المنسيات

غجر بالاماس

 اعتماد الخبرة الداخلية في فن المقالة

رسالة الى "الشيوعي الأخير"

معنى الحوار بين القارئ والنص

في العتمة المضاءة من الداخل

بشارة الخوري

مسرّات الشرق القديم

 بي قارئ متحفز

شعراءالنهضة الاسبانية

شيمانوفسكي وغلاس

 

 

 

بورتريت    المؤلفات الشعرية     المؤلفات االنثرية     ترجمات     الموسيقى      الفن التشكيلي     حوارات     يوميات    اللحظة الشعرية    بريد الشاعر

English        French         Sweden       Poet's mail