فوزي كريم 

Fawzi Karim

 

استعادة المنسيات

 

    في 7/1/2007 نشرت هذه الصفحة الثقافية قصيدة لي تحت عنوان "ونحن انتهينا هنا في الزمان". المفاجأة بالنسبة لي كانت غاية في الالتباس. فالقصيدة لي دون شك. أذكرها كما أذكر دفلى البيت. ولكنها أيضاً ليست لي بمعنى من المعاني. فقد استعيدت في ذاكرتي بتمنّع، وكأني أذكر جفاءً بيني وبينها حدث ذات يوم في أواخر الستينيات. وأني، بصورة من الصور، انتزعتها من بين قصائدي وأهملتها الى حين. حين راجعت أعمالي الشعرية (في جزأين) لم أعثر عليها. وحين واصلت البحث في مجموعاتي الشعرية متفرقة عثرت عليها في "أرفع يدي احتجاجاً" (دار العودة) ، ولكن على غير صورتها التي وقعت عليها، أو وقعت علي في صفحات المدى الثقافي. مشذبة كانت، وأصغر حجماً. إذن، يتضح من هذا أن القصيدة نُشرت في حينها (الشهر الثاني من عام 1969) في واحدة من المجلات أو الصحف. ثم أعدت النظر فيها وشذّبتها لكي تكون من بين قصائد "أرفع يدي احتجاجاً". ثم أهملتها تماماً حين جمعت قصائدي لتنشر كاملة في جزأين عن دار المدى (2001). ثلاث مراحل غائبة في حياة قصيدة مُغيَّبة، تُبعث في مرحلة رابعة للحياة. ولكن بعثها تم بطريقة غاية في الغصْب والعنَت والعبث. الأمر تمّ دون إرادة مني. ودون دراية من محرر الثقافية. وبإرادة غامضة لآخر مجهول، بُعثت قصيدةٌ شاء صاحبها قبله بأكثر من خمسة وثلاثين عاما أن يدفنها بإرادة واضحة.

    ما كانت لحكاية القصيدة أن تكون ملتبسة لدي لو أن هذا الآخر المجهول أرسل القصيدة الى المدى مذيلة بتاريخ ومكان نشرها. إذن لكانت رغبة سليمة منه لاستعادة ما يرغب من الأرشيف المُشاع. أو لو أن محرر الصفحة كان أكثر احتراساً. حدث مرة أن استلمت مجلة "سيدتي" النسائية التي تصدر في لندن قصيدة باسم البياتي، تحاكي أسلوبه الشعري المعروف، حتى لغير قراء الشعر. وبفعل نشوة رئيس التحرير بما تصوره مبادرة كريمة من الشاعر الكبير، نُشرت القصيدة فوراً مزينة بلوحة بورتريت رائعة للشاعر. ما أن صدرت المجلة حتى فزع رئيس تحريرها ومحرروه وقراؤه وإداريو المؤسسة لمقدار الصور والجمل البذيئة الشنيعة (في اللهجة العراقية) في النص الشعري. وكان فزع البياتي أكثر دوياً بالتأكيد. وبقيت الحادثة حتى اليوم من فضائح النشر المعروفة.

    حكاية قصيدتي أهون من حكاية البياتي بكثير. بل لعلها تنطوي على فائدة لي وللقراء معاً. فقد رأيت كيف تحول هذا المقطع اللفظي، الزخرفي في القصيدة القديمة، مثلاً:

 

هبيني يديك
انتهاء بها زهرة الموت، سفر
ُ الكآبة
ونهديك،
أهديهما من دمائي
ومن غابر الارض سحر
َ الكتابة
و
أهديهما قسوةَ الساعدين
فنحن انتهينا هنا في الزمان
على ربوة لا تراها سحابه
.......

 

الى هذا المقطع في مجموعة "أرفع يدي احتجاجاً":

 

هبيني يديكِ

ونهديكِ، أهديهما من دمائي

ومن غابر الأرض ما تشتهينْ.

فنحن انتهينا هنا في زمانٍ

يقاسمُ البردَ ربٌّ حزينْ.

 

وكيف أهملت القصيدة جملة فيما بعد. وكيف، حين عاودت النظر فيها بعد التغيير، وجدتُني أرغب باستعادتها الى عائلتها، لو أني قدمت مجموعتي الشعرية الكاملة لطبعة جديدة. على أني تعرفت على مقدار قلقي لا في كتابة القصيدة حسب، بل في الاعتراف بها داخل الزمان. حدث ذلك معي أكثر من مرة.

    في عام 2001 نشر د. فلاح رحيم دراسة نقدية حول قصيدة "الغارب"، المنشورة في "قصائد مختارة" (القاهرة 1995). كنت أتابع إضاءته النقدية البارعة لمشهد أخير في القصيدة، لم أُحسن استعادته في ذاكرتي:

 

ولأني أتوهّمك، على دراجتكَ طليقا

جسداً منفلتَ الأردانْ

في الريح.......

 

    ولأن إعجابي لم يقتصر على إضاءته النقدية بل تعداه الى المشهد الشعري ذاته، تبين لي بعد المراجعة أني حذفت المشهد من نص القصيدة لسبب ما في المجموعة الكاملة. وفاضت بي الرغبة ذاتها في استعادة القصيدة كاملة، إذا ما قدمت المجموعة الكاملة لطبعة جديدة!

 

    ما علاقة القصيدة بالزمان؟ أمر محير بالتأكيد.

    القصيدة تتم بين يدي بمعنى ما نسبي. ما من قصيدة مكتملة. كل قصيدة مشروعٌ غامض لقصيدة غائبة. وبهذا السياق أرى أن ما منْ قصيدة جديدة (بالمعنى البكوري الذي يقترحه الطليعيون!). في كل قصيدة صدى، أو أصداء، لتزاحم قصائد الماضي. محاولة اجتهاد مضنٍ لترميم الثلم الظاهر في نص شعري مفرد، دائم النمو. يتراءى للشاعر ولا يتّضح.

 

 

(نشرت في جريدة المدى في 2/6/2007)   

   

 

 

   

 

يوميات

 

عن الإيمان بقوّةِ الحياة!

 

الجديةُ والإحاطةُ وما دونهما!

الاستدارة المذعورة، ولكن للمستقبل!

حفنة مسرات أوبرالية

قبلة فرانتشيسكا الدامية

تلك الورقة البائسة!

حكاية الفارس الأخضر

ستة مصابيح داخل دخان الحرائق

استحالةُ أن تحصل على كتابك المفضّل دون دليل؟

استعادة المنسيات

غجر بالاماس

 اعتماد الخبرة الداخلية في فن المقالة

رسالة الى "الشيوعي الأخير"

معنى الحوار بين القارئ والنص

في العتمة المضاءة من الداخل

بشارة الخوري

مسرّات الشرق القديم

 بي قارئ متحفز

شعراءالنهضة الاسبانية

شيمانوفسكي وغلاس

 

 

 

بورتريت    المؤلفات الشعرية     المؤلفات االنثرية     ترجمات     الموسيقى      الفن التشكيلي     حوارات     يوميات    اللحظة الشعرية    بريد الشاعر

English        French         Sweden       Poet's mail