فوزي كريم 

Fawzi Karim

ماريو فارغاس لوسا: اعتماد الخبرة الداخلية في فن المقالة

 

    تستهويني قراءة المقالة الأدبية والمقالة النقدية، منذ بدأت علاقتي المبكرة مع الكتاب. مرحلة النهضة العربية، في النصف الأول من القرن العشرين، وبفعل التلاقح الصحي مع الغرب، وفّرت كُتاباً يحسنون هذا الفن، من طه حسين وجبران، حتى المازني وحسين مردان. ثم انطفأ هذا الفن الكتابي مع انطفاء فرادة الهوية الداخلية للكاتب. انطفاء العلاقة المتوازنة بين كتابة الكاتب و خبرته الشخصية الداخلية. لقد أملت "ثقافة الإعلام"، منذ الخمسينيات، قاعدة جديدة لمهمة المثقف والكاتب والمبدع، تبدو فيها خبرته الشخصية الداخلية هامشية، إن لم تكن عيباً غير مستساغ تحت وطأة "مسؤولية" مثالية، إيهامية، جديدة مُمْلاة من فوق.

    في الثقافة الغربية يتصدر هذا الفن النتاج الأدبي منذ مونتاني (33-1592 ). ولا يكاد شاعر، روائي، كاتب، فنان، أو موسيقي يخلو من إسهام مؤثر. حتى لتتصدر كتبهم في هذا الحقل نتاجَهم الشعري والروائي والفني. مقالات أليوت أكثر مبيعاً من شعره. وكذلك مقالات أودن، أورويل، فورستر، شيموس هيني...الخ

    أحد هؤلاء الروائي المعروف (في الترجمة العربية أيضاً) ماريو فارغاس لوسا. بعد ترجمة روايته "الطريق الى الفردوس" الى الانكليزية، تُصدر له دار النشر faber and faber وجبة دسمة من مقالاته، تحت عنوان Touchstones. يضع فيها على المحك عدداً كبيراً من الكتاب والفنانين والأحداث التاريخية، عبر زاوية نظر تبدو مشرقة، ولكن مليئة باالظلال. ومثل عدد غير قليل من المفكرين، يبدو أن لوسا (من بيرو) قطع مراحل تحول في الموقف الفكري والروحي غير غائمة: مرحلة الستينيات اليسارية الأولى، حيث رصد لوسا في رواياته مفاسد الحياة الرأسمالية في أمريكا اللاتينية. ثم المرحلة الليبرالية بعد طلاقه من تيار اليسار في السبعينيات، يوم بدأ يتبين مخاطر النزعات المتطرفة والأفكار الطوباوية. والمرحلة الأخيرة، منذ خسارته في انتخابات الرآسة التي رشح لها في التسعينيات، التي اتسمت بصبغة المتشكك، المتأمل، ولكن العميق الايمان بالفن وفاعلية الانسان المبدع. كتاب المقالات الذي بين يدي يغطعي المرحلة الأخيرة، في حين غطى كتاب مقالات آخر سبقه بعنوان making Waves المرحلتين الأولى والثانية.

    الكتاب الجديد (أعده المحرر جون كنغ) يتوزع على ثلاثة أبواب: في الأدب، في الفن وفي الثقافة والسياسة. ومقالات الأبواب جميعاً تنتظم في نسيج رائع من التوزيع الوركسترالي، والهارموني. بالرغم من أن الكتاب يفتقد الى مقالات في الموسيقى!

    في باب السياسة تحتل "يوميات العراق" 54 صفحة. وهي مجترأة من نص سبق أن صدر في كتاب مستقل. كتبها لوسا على أثر زيارة قصيرة للعراق (من 25/8 حتى 6/9/2003)، في غمرة أحداث إسقاط الدكتاتورية ومآزق الاحتلال الأمريكي؟ اليوميات قد لا تبدو مؤثرة لقارئ عراقي مثلي، ولكنها بالتأكيد تكشف عن وجه كالح لما يدب هناك باسم الدنيا والدين. كان لوسا ضد المسعى الأمريكي للتدخل. ثم غيّر موقفه منتصراً لوجهة النظر التي ترى استحالة زوال دكتاتورية صدام حسين دون تدخل خارجي. وإذا كنت أرى ما يرى في أمر الوطن الذي انتسب اليه، أجده أكثر جاذبية في تعرضه لمفهوم "الوطنية"، بكل ما تنطوي عليه من حماس للتاريخ، وحرص على الجغرافيا، ودفاع عن الموروث، عن اللغة والتقاليد. ولكنها في الوقت ذاته تمنح قناعاً أديولوجياً للشوفينية، وللكراهية، وللعنصرية والتعصب الديني. لوسا رائع الجرأة، رائع العمق في تناوله لمفاهيم اعتنقها المثقفون باندفاعة العواطف القلبية الشائبة، بالرغم من كل ما تنطوي عليه من مخاطر.

    هذه الجرأة وهذا العمق يتضحان في مقالاته النقدية بشأن الأدب والفن. مع الفرنسي أندريه مالرو أو مع التشيلي بابلو نيرودا. الأخير لا يخلو من عورة الاديولوجي الذي شارف حدّ مديح استالين، ولكنه عامر بالموهبة غامضة الثراء للشاعر الكبير: "في كل مظاهر الابداع الفني، يبدو العبقري حالة شاذة عصية على التفسير في عالمنا العقلي، على أن الشعر يحتل مكانة أكثر تعقيداً من هذا: إنه موهبة فائقة، غريبة، شيء ما يمكن أن تُلحق به صفات: المتعالي، المُعجز، والسامي." " مراقبة نيرودا وهو يتناول طعامه تمنح أحدنا معرفة أن الحياة تستحق أن تُعاش، وأن السعادة ممكنة التحقق، وأن أسرارها تئزُّ في مقلاة." دليلاً على بلوغها الممكن الوشيك.

    عيوب أندريه مالرو، التي تُأخذ عليه من قبل منتقديه (الاسلوب المتفلسف، الميل للاسهاب واللعب اللغوي..) يجدها ميلاً فطرياً في اللغة الفرنسية وعللاً ثقيلة في ثقافتها. ولكن هذا المأخذ لا يكبح فيض أعجابه الكريم "بكل هذه الفضائح، الاتهامات، الخدع، والالهامات العامة التي أضافت مسحة أسطورية غنية لشخص أندريه مالرو. فهو لم يكن كاتباً كبيراً فحسب، بل رجلاً سجل (في سنوات عمره الخمس والسبعين) حضوره الحاسم في أحداث عصره العظمى: في الثورة الصينية، في الكفاح ضد الاستعمار في آسيا، في الحركة الأوربية المعادية للفاشية، في الحرب في إسبانيا، في المقاومة ضد النازية، في الاصلاح والتخلي عن المسعى الاستعماري في فرنسا تحت زعامة ديغول.."

    إحاطات مشبعة بالثقافة، بالجرأة والعمق تتواصل عبر 37 مقالة، يشد خيوطها عنصر حاسم في فن كتابة المقالة الأدبية أو النقدية، هو عنصر الحضور الذاتي، الداخلي للكاتب. هو وحده الذي يمنح النص حرارة الحياة، ويمنحه مصداقيته، مهما تعددت، وتنوعت المادة: كونراد، توماس مان، وولف، مالرو، همنغواي، غراس، نابوكوف، نيرودا، كروز، غوغان، بيكاسو، العراق، الوطنية، بينوشيه..الخ

 (نشرت في جريدة الرياض في   DATE \@ "dd/MM/yyyy" 03/06/2007)

     

          ‏

 

يوميات

 

عن الإيمان بقوّةِ الحياة!

 

الجديةُ والإحاطةُ وما دونهما!

الاستدارة المذعورة، ولكن للمستقبل!

حفنة مسرات أوبرالية

قبلة فرانتشيسكا الدامية

تلك الورقة البائسة!

حكاية الفارس الأخضر

ستة مصابيح داخل دخان الحرائق

استحالةُ أن تحصل على كتابك المفضّل دون دليل؟

استعادة المنسيات

غجر بالاماس

 اعتماد الخبرة الداخلية في فن المقالة

رسالة الى "الشيوعي الأخير"

معنى الحوار بين القارئ والنص

في العتمة المضاءة من الداخل

بشارة الخوري

مسرّات الشرق القديم

 بي قارئ متحفز

شعراءالنهضة الاسبانية

شيمانوفسكي وغلاس

 

 

 

بورتريت    المؤلفات الشعرية     المؤلفات االنثرية     ترجمات     الموسيقى      الفن التشكيلي     حوارات     يوميات    اللحظة الشعرية    بريد الشاعر

English        French         Sweden       Poet's mail