العدد 15 صيف 2009

 

الشعر.. قرصٌ ساخن

 

هيلدا اسماعيل

 

من منّا لم تتعثر  "قدماه" وهو يحاول الصعود، "مأزقٌ" هذه الكتابة والله، لأن مخططاتها غامضة، وغير مبيّتة النيّة. لا ندري متى سنبدأ بها ومتى ستنهينا؟؟.  هي شيء ما يقع بين العبث والبوح، وأعتقد أن سيطرتها متفاوتة على باقي أمور الحياة. فما معنى أن تحاول الكتابة عن الشعر، فلا تجد من الكلمات ما يساوي ثقل القصائد على الأرض.

أذكر أنني في يوم الشعرالعالمي، وقفتُ صامتة بجانب نافذة ظننتها ستحميني من التعب، قلقةً كنتُ، ربما  لأنني عدتُ من السفر فجأة، وسأغادر فجأة، لكنني قبَّلت جدتي بعنف كما أحب أن أفعل دائمًا، و همستُ لها: "يا ذات الشِعر الأبيض كل عام وأنتِ قصيدة". لم أتفاجأ بها، كالعادة لكزتني وهي تضحك، "يا بنت.. عيد الأم حرام". نعم يا جدتي لهذا هو يوم الشعر أيضا!!.

متى يصبح  الشعر محسوسًا، ملموسا، مشمومًا، وطيبا كالجدات؟؟. سأقبل بفكرة (اللعنة) مؤقتًا، فمن عيوب الإنسان كما يقولون أنه لا يفكر بالعاصفة عندما يغمره الهدوء، غير أنني  متأكدة  بأنه لم يكن ممكنًا أن تصيبني لعنةٌ ما بشكلٍ واعٍ . كل ما أذكره أنني كنتُ أصغر بكثير من أن أملك حق الاختيار،  لكنني كنتُ مراهقة حين اتخذت الشعر (نزوة)، ولم أتوقّع يومًا أن ينقلب علي سحر النزوات، أو أنني سأتورَّط إلى هذا الحد الذي أراني عليه هذه اللحظة.

يوجعني دائماً  أنني  لم أعرف حتى الآن طريقة واحدة يمكن أن نحتضن بها  لغتنا، و نتعامل مع العالم  بذراعين مشرعتين، تناديان بالرغبة في احتضان الآخر وتدفئته. ففي ذلك الشتاء، قبل  أربعة أعوام من  الآن، أصيب الشعر في ذاتي بنزلة قارصة. كان يرتجف تحت ركام من الأغطية، يداه زرقاوتان، متشبثتان بالكتابة، و لم أكن يومها أملك طريقة لأبعث الدفء في داخله،  لكنها كانت طريقتي في الهذيان.  أذكر أنني لم أنتج  شعرا حينها، لم أصعد بسلم  المهارة للتعبير عن الإحساس . كنت أعلم أن الإحساس وحده غير كافٍ لكتابة نص جيدٍ، حتى وإن كان صادقاً وعفوياً. من المفترض أن تكون نبرة القصيدة أكثر دقة وحنيناً حين تذكرني بكونشرتو "الفصول الأربعة" مثلا، وحين تصبح هذه المقطوعة أوجع إن أحيت بي ذكرى التنزُّه في " فينيسا"، التي ولد فيها فيفالدي Vivaldi الموسيقي الإيطالي الشهير.

كم أردتُ أن  أجعل من قصائدي مغامرة لربط المعرفة، الذكريات، الخبرات والتجارب. كم أردت الشعر ألا يكون انطوائياً، بعيداً كليًا عن مسرح الحياة الواقعية، وكأنني أمام "حفلة تنكرية لأطفال توحديين"  كما يعبر عنها (سي دي لويس). لكن قسوة هذا الوجود حوَّلت  الشعر  إلى (جزر )  معزولة هائمة لا تنطق بلسان واحد، عالم مغلق تجاه الآخر، فاقد الثقة فيه. جزر تحب أن تهرم وحيدة خلف الكلمات، الجرائد، الشوارع، وأحياناً خلف الموتى.

الأموات لا يتقنون الحديث إلا عن (الحرية)،  أما نحن  فلازلنا (عبيداً) على قيد الدنيا،  لهذا من النادر جداً أن نرى امرأةً عربية بيننا تكتب شعراً حرّاً، خالصاً، وحقيقياً إلا باسم مستعار. إن الأشخاص الذين لا يتوجّعون.. تماماً كالذين يخافون الحب ولا يعيشونه. هؤلاء ليسوا جديرين بالحياة أصلاً،  فكيف يمكن أن يكون لنا حق التعبير عنها!!. محطّاتنا  تستمد قيمتها من الألم وليس من المصادفات فقط، ولكن  لأن  أموري كأنثى على هذه الأرض لا تبدو على ما يرام، فكان لا بد للصدفة أن تروّج لحياتي كثيراً، وأول ما بدأت تلوح لي به، هو قراءة الشعر قبل كتابته.

إن كنا  لا نعرف من الشعر إلا ذلك الذي يغيرنا في أعماقنا، فعلينا أحياناً أن نكف عن اعتبار كتابة الشعر مصدراً للذة فقط. هو نمط من أنماط الحياة.. طريقة لنقل التعاطف، التناغم، المشاعر بين الناس، ولا يكفي أن يكون الشاعر مخضوضاً بالعاطفة حتى تأتي قصائده ممتلئة بالنوعية والتميز. الشعر ليس مجرد عاطفة وانفعال.. هو صنعة ومهارة أيضا.ليس الشعر في رائحة الأزهار. إنه نكهة الرغيف الذي نقتسمه ولا يباع.. إنه هذا الفتات الذي تبقَّى من نهش التكنولوجيا والملتيميديا وعصر القلوب الإلكترونية.. إنه جزء من عالم يحتوينا، وهذا العالم هو أرواحنا ونحن من يحتويها.

 من سبب صغيرٍ كانت تندلع القصائد العظيمة.. الحب.. والحروب أيضاً. لكن بعد أن اعتدنا على شتاء الحب وثلوج أيامه،  أترى سيكون من الممكن صنع عالم تخلق فيه القصائد بدفءٍ من جديد!؟ أظن أن كلا منا سيحتاج لأن يصبح شمساً، خبزاً، أو قرصاً حارقاً لتدفئة العالم. كما أنه لا يمكن أن يكون صحيحاً أن نعتبر هذا زمن اللا شعر، فمنذ متى كان التاريخ يختار كتاّبه؟!

 

 

الغلاف

 

*

 اللحظة الشعرية

 

*

صلاح نيازي: المسلم
جاسم محمد: قصيدتان
حميد العقابي: ثلاث قصاـــد

ابراهيم عبد الملك: وكما بَدَتْ..

سعد الشديدي: سوناتا القيامة
ليث الصندوق: أبو نواس

مايكل غروف: قصائـــد

فالـــح عبد الرحمـــن: الألياذة

 

*

عن ميووش: ترجمة : فــلاح  رحيم
 

عبدالكريم كاصد: قراءة في شعر عزيز السماوي

 

*

علي جعفر العـلاق: كأنّه يمشـي على هـواءٍ وثيـر

ياسين طه حافظ: الخسارة الثانية

حسن ناظم: لغة الأحلام

فوزي كـــريم: قطيعةُ المحارب

هيثم سرحان: الحداثة الشعرية

محمد غازي الاخرس : " يتيم الستينات " يحظى بأب

محمود النمر : فضاءات الدرويش

نصيف الناصري: حسب الشيخ جعفر في عمّان

وثائق واغلفة كتب

*

ساسون سوميغ: مقهى بغداد

هيلدا اسماعيل: الشعر.. قرصٌ ساخن

فيء ناصـــــر : أول شاعرة للبلاط الملكي

*

الحصاد الشعري

الحصاد الفني

الحصاد الموسيقي

 

 

موقع الشاعر فوزي كريم      الصفحة الأولى         اعداد سابقة         بريد المجلة

  ©  All Rights Reserved 2007 - 2009