العدد 17 شتاء 2009

 

 

رومي: الدرس الحاسم

 

   

 

    ثلاثة أعمال شعرية كبيرة صدرت عن دار بنجوين، لثلاثة شعراء عالميين كبار: جلال الدين الرومي، رامبو، بيسوا. ولأنها ترجماتٌ جديدة اقتنيتها جميعاً، وشرعتُ بالقراءة، غيرمُحتاط من الانتقال بين شاعر وآخر، في اللحظة التي أشاء. لأن الشعراءَ الثلاثة يشتركون في تحقيق قفزة نوعية بشأن مهمة الشعر، والتخفي وراء وشاح الرمزية، والتوحيد بين الشاعر فيهم والإنسان.

    حياة وأهمية الفرنسي رامبو تكاد تكون مألوفة للقارئ العربي. وبيسوا الأرجنتيني، في اتخاذه ثلاثة أسماء مستعارة طيلة حياته، أقلّ شيوعاً. وأحسبُ، وهذا من الغرائب، أن رومي المسلم يظل بالنسبة للشاعر العربي، غائمَ الشعر، غائمَ الحياة. ولأني أنتصر، في موقفي النقدي، للشعر الشرقي جملةً، مصدراً للاستيحاء، وللمعرفة الشعريين، فقد انصرفتُ أكثر لشعر رومي، الذي يبدو لي أُفقاً واسعاً، يحلق فيه رامبو وبيسوا بطلاقة طائر.

    مترجم رومي إلى الإنكليزية هو البروفيسور الأمريكي كولمن باركس، وإليه يعود الفضل في إطلاق الطائر من قفص الترجمات المعزولة السابقة، بفعل جمال وعفوية أسلوبه. وضع هذا المترجم غذاءً روحياً لقارئ أمريكي على قدر عالٍ من التوتر، والقلق، والحيرة تجاه المصير. لأن رومي، الذي يُذكر بالشاعر ويتمان، احتضانيٌّ للإنسان في كلّ أجناسه، وللطبيعة في كلّ أهوائها، وللحياة في كلّ ما تُقبل به، وعليه، من مصير.

    حياة هذا الشاعر المشرقي(1207-1273م) لا تقل جاذبية عن شعره. نشأ مسلماً في بلاد الأنضول (أرض الروم)، ومنها جاء لقبه. انتسب، بفعل تأثير والده، إلى سلك علماء الدين، منصرفاً إلى التحصيل العلمي والتدريس. وبقي على هذه الحال حتى قرابة الأربعين من العمر. ثم فجأة، وبفعل حكاية غاية في الغموض، تحول إلى شاعر، فنان، وعاشق، في أفق الإشراق.

    في عام 1244 التقى درويشاً جوالاً في ربوع الشرق الأوسط، يُدعى "شمس تبريز": "أبحث عمن يحتمل صحبتي." قال شمس. "وما الذي يحصل عليه في احتماله؟" سأل رومي. "رأسي." أجاب شمس. حينها قال رومي: "من تبحث عنه هو جلال الدين". ومن تلك اللحظة بدأت صحبةٌ لا تنتسب إلا إلى متاهة شعرية. وتدفق شعرٌ لا ينتسب إلى زمان، أو مكان، أو جنس بعينه. شعرٌ إنساني، وعالمي بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من معنى. مدارُه الحب، والاحتفاء بالجسد وبالروح معاً، بالقلب وبالعقل. ما من عقيدة تحتكر طلاقةَ الإيمان، ولا خطيئةٍ تحط من قدر الإنسان. الشعر هو الشاعر، والخاصّةُ من جمهوره هم العامة.

    وكما جاء شمس تبريز غامضاً، اختفى غامضاً، بعد صحبة شهور، أوقد فيها شعلةَ الشعر في كيانِ عالمِ الدين هذا. يجتهد الدارسون بأنه قتل من قبل تلامذة رومي، أو ابنه، بعد أن رأوا افتتان أستاذهم بهذا الزائر الغريب، حتى أنه هجرهم، وهجر التدريس جملةً. غير أن رومي صار يوقد شعلةَ الشعر من وحي ظهور شمس، ومن غيابه، على السواء. صرف فترةً في التجوال الضائع بحثاً عنه. ولكنه توقف أخيراً في دمشق، بعد أن وضُح له أمرٌ:

لمَ توجّب عليّ البحثُ؟ وأنا مثيلُه تماماً.

جوهرُه يتحدث من خلالي.

فأنا الباحثُ عن نفسي إذنْ!

    البحثُ عن النفس داخلَ النفس هو أعمق دروس رومي للشاعر، وللشاعر العربي خاصة. فقد ظل شاعرنا العربي "يتمرأى في ذاته" كزهرة النرجس، ولا يغامر فيها باحثاً، متشككاً. أو ظل يعكس في مرايا شعره: الخارجَ، الآخرَ، وأحداثَ التاريخ، ولا يكتفي بذلك. بل يُلحق انعكاسات المرايا هذه بالأحكام القطعية، والمواقف المؤمنة، الجازمة. ولذا تزاحم شعرُه بالانتصار للنفس، لا على النفس. و بالعداوة، والكراهية.

    الترجمة الجديدة، بالإضافة إلى عذوبتها، أنها تُرجمت شعراً إنكليزياً حديثاً، وأن المترجمَ وزّع قصائدها الكثيرة (310 صفحات) على أبواب وفق الموضوعات، مع مقدمة صغيرة لكل باب: "الخمارة: من جاء بي إلى هنا.."، " ذهول: لدي خمسة أشياء أقولها."، "فراغٌ وصمت: هواء الليل."، "شعور بالعزلة: لا تقترب مني."، "صحبة: لقاءات عند ضفة النهر."، اتحاد: بعوضةٌ في الريح."...

 

 

 

 

غلاف المجلة

فاتحة اللحظة الشعرية

 

* 


خزعل الماجدي: لا أحد قرب قبري
ياسين طه حافظ: حياة عبد اللطيف الراشد وموته


*


ملف: محمود البريكان


محمد خضير: سُدم/ عوالم/تكوينات
عبد الكريم كاصد: الصوت الناصع
حسن ناظم: الشعرية المفقودة
علي حاكم صالح: في الطريق إلى البريكان
سعيد الغانمي: شعر البريكان، هواجس انتظار المصير
ناظم عودة: دوائر سود على بحيرة بيضاء
فوزي كريم: البريكان، احتفاء بالانسان وأشيائه الزائلة


*


حصاد المحرر: الشعر


الشعر الباحث أم الشعر المغير
الهجين الأمريكي
شعراء المحج الروسي
رومي
في لوديف

 

*

 

حصاد المحرر: تشكيل


الحديقة والكون
رياح التجريد الروسية
ريتشارد لونغ
نداء بالبل

 

*

 

حصاد المحرر: موسيقى


بروميثيوس
جريمة قتل في الكاتدرائية
ثلاثية دانتي الموسيقية

 

 

موقع الشاعر فوزي كريم      الصفحة الأولى         اعداد سابقة         بريد المجلة

  ©  All Rights Reserved 2007 - 2009