فوزي كريم 

Fawzi Karim

 

أبتعد مأخوذاً بالضوء

اختيارات فوزي كريم الشعرية

 

فاطمة المحسن

 

    خلال سنوات قليلة اصدر الشاعر العراقي كريم ثلاثة مختارات شعرية، آخرها عن دار الصحافة العربية في القاهرة تحت عنوان «ابتعد مأخوذا بالضوء» وهو عنوان إحدى قصائده القديمة. المجموعة الجديدة صغيرة الحجم ولا توازي طباعة الكتاب الشعري الذي ظهر له عن دار المدى بجزءين قبل ثلاثة أعوام.

انشغل فوزي كريم خلال العقد الأخير عن الشعر بالكتابات النثرية، فكانت الموسيقى الكلاسيكية والتنظير النقدي والمذكرات ويوميات الستينيات العراقية وغيرها من المواضيع قد تصدرت اهتماماته. وتميز بين الأدباء العراقيين من جيله بطرحين جذبا اهتمام القارئ: الأول تبدى في تصديه الى ما يعرف بظاهرة الحداثة الشعرية العربية، وعلى وجه الخصوص حداثة أدونيس وجيل الستينات العراقي، فكان كتابه «ثياب الامبراطور» تتويجاً لجهود بذلها في اللقاءات الثقافية ومن خلال صفحات المجلات والصحف. والطرح الثاني كان حول ظاهرة الادب والسياسة، أو الأديب الحزبي او المؤمن بأيديولوجيا معينة. وقد اعتبر هذا النوع من الايمان قد افسد الأدب وأساء اليه فنياً وإنسانياً.

في مجموعته الجديدة سنجد أصداء الموقفين من خلال شعره القديم الذي نشر في الستينيات والسبعينيات، فهناك القصائد الوطنية التي تذكرنا بأناشيد الالتزام التي كتبها شعراء مرحلته، وهناك في قصائد أخرى اثر «حداثة» ستينية تلوح وكأنها تكذب طرح صاحبها، غير ان الحالين لا يعنيان الكثير في مسيرة فوزي كريم، فحضوره القوي بين أبناء جيله سواء كانوا من الأصدقاء أو الخصوم، تؤشر الى تجربة ربطت الشخصي بالشعري، وتحركت بين أفقين رحبين: فكرة الجديد الشعري أو تخطي التجارب السابقة، وفكرة الرحيل او مغادرة العراق التي كانت شاغل الأدباء آنذاك من مختلف الاتجاهات.

«ابتعد مأخوذا بالضوء» على ابتسار النماذج الشعرية التي وردت فيها، تقربنا من تدرج مر به الشاعر يوم كان فتى صغيراً منتصف الستينات وعندما وصل سن الشيخوخة.

يكتب فوزي كريم العام 2002:

علانا المشيب،

ولم تعد الريح ترعى ضفائرنا

وأفراسنا سمنت،

ومراقد من مات صارت مزارا!

كلما فاجأتنا رياح الهضاب

أصتنا، كأنا عظام مجوفة.

ليس يجرؤ ذئب على سحنة الليل فينا.

ولا الشمس تدخل آبارنا. غير أنا،

بذات التواتر، لم نبطل النسل.

يرسم الشاعر صورة تتواتر فيها حركة بطيئة ولكنها فاعلة ومرئية، فهي تؤرخ نهاية رحلته، اي ان الزمن فيها يؤدي وظيفة مركزية، فقدر ما يوحي الايقاع بالانكسار أو الأسى، يعطي انطباعاً بتماسك البنية القولية، فهناك تفاعل بين مكونات المتوالية التي تؤكد إيقاعا هادئا رتيبا، ولكنه يضمر غنائية في ترجيعاته لصور الثبات :«لم تعد الريح ترعى ضفائرنا/وأفراسنا سمنت.. الخ."

هذا الوضوح يقابله نوع من الغموض في قصيدة كتبها في العام 1970:

على قدر عزمي يجيئك عزمك: الريح والماء

وأشياء وجهك ما تشتهي الريح والماء،

ما اشتهي من هوى، وهواك السلام

)أقول السلام الذي بين جنحه نزف ملح!)،

لماذا أراك حزينا، وأنت بعز الصبا يا كلام ؟!

يحتفظ فوزي كريم بعد ثلاثين عاما بغنائية تشكل قاسما مشتركا لشعره، وهو لم يتخل عنها يوما ولا فارقها، بل كان يغني شعره بصوته الجميل الذي تعوده الاصدقاء، يقول سعدي يوسف: «في تلك الأيام بخاصة، كان فوزي كريم شاعر المدينة بامتياز، يطور نصه، ويرتله، ويؤثر في الشبيبة، وبهذا التطلع النزيه نحو الحرية، والجمال، والمعنى الكامن».

وحينما يكتب قصيدة تحت عنوان «شاعر 1968» نكتشف ترجيعات سعدي يوسف وصلاح عبد الصبور، وتلك العاطفة الوطنية المتشوفة الى قالب يحتويها ضمن متعارفات الشعر الموزون، وقد كان فوزي كريم من أكثر الناس استنكارا لقصيدة النثر. انه يقول:

وتلويت مع الريح، تلويت شراعا

وعرفت الشمس في دمعة عينيك خداعا

آه يا صوت بلادي

يا شراييني، التي مزقها نجم وضاعا

إنني اقسم بالخبز، الذي يحمل موتي

وأيامي، التي تخطو مع الريح سراعا:

ان في دمعة عينيك بشائر

وأغاني،

آه يا صوت بلادي.

مر الكثير من الوقت على هذه القصيدة المباشرة، وتقلب الشاعر بتجارب كثيرة، ولكنه لم يترك عادة الترتيل في موسيقى شعره، مثلما بقي يحتفظ بوضوح تنقضه قصيدته الطويلة «قارات الأوبئة» التي عدها سعدي يوسف أفضل شعره.

 

(الأربعاء 29 ذي الحجة 1425هـ - 9 فبراير 2005م - العدد 13379  جريدة الرياض)

  
 

بورتريت    المؤلفات الشعرية     المؤلفات االنثرية     ترجمات     الموسيقى      الفن التشكيلي     حوارات     يوميات    اللحظة الشعرية    بريد الشاعر

English        French         Sweden       Poet's mail