رسول السحب
كاليداسا*
1 على ذُرى راما الظليلة، ملاذ النسّاك، وبين الترع المقدسةِ باستحمامِ سيتا، أقام الخاطئ ياكشا مقامَه السيئ الطالع، محكوماً بطاعة سيده الذليلة، لأن يبقى طويلاً، نائياً عن عروسه.
2 بعد أشهرٍ مضين، وبفعل الألم اتّسع المعضدُ الذهبي على رسغِ العاشق المتوحد قبل أن يبصرَ بشيرَ المطر المقبل، سحاباً عبّأ الذرى وهو يهوي مثل فيلٍ يهاجمُ عابثاً ركاماً أرضياً.
3 وأمام مخاوفِ العاشق وآمالهِ انحنى المتعبّدُ لكوبيرا طويلا وبأسى المتأمل، كاتماً دمعتَه من أن تنحدر. حتى القلوب السعيدة لا تقوى أمامَ السحاب تماسكاً، وقد حُرّم عليه، هو البائس، عناق من يحب.
4 وعبر الأيام الممطرة، هو المتطلّعُ الى خلاص حبه، هو المحرومُ من الفيضِ السعيد، قطفَ بضعةَ أزهار ندية لضيفهِ الغائم، احتفاءً بما يليق برفيق مقرّب، وبكلماتٍ شجاعةٍ خاطبه مرحباً مادحا.
5 ما غابَ عن عقل ياكشا المحرومِ ممن يحب مقدارُ المشقة في التحام رسالته والسحابَ، خالصَ النار والماء، الدخانَ والريح ـ وهل استطاعَ من أعمى الحبُّ بصيرتَه أن يميّزَ بين الحي والميت من الأشياء.
6 أعرفُ مدارك الأميري الأشهر، قال وحضوتَكَ في بلاط السماءِ الملكي، وهيئتَك المتغيّرةَ أبداً. وإليكَ، أنا المستسلمُ، أجيءُ متضرعاً باسم أسى أرملتي مفضلاً رفضك الجليل على الراحة الوضيعة للنفس.
7 أيها السحابُ، وقد استثارت الروح الظامئةُ مشاعرَ عطفكَ. عروسي نائيةٌ، بفعل الإرادة والغضبِ الملكيين. فهل لك برسالتي إلى مدينةِ ياكشا، إلى حدائقَ ألاكا الغنية، حيث هلال شيڤا المتألق يغسلُ قصورها بأشعته.
8 حين ترقى طرقَ السماء الأثيرية، سوف يختلسُ حبُ هذا الجوال النظرَ عبر تكوّراتك العالية ويبارك لك المشهدَ، مانحَ العزاء. من ترى يترك عروسه باكيةً عبر الأيام الغائمة غيري، أنا الذي احتفظ بأصفاد عبوديته؟
9 وفيما تدفعُك النسمات قُدُماً برفق، وفيما يغني على يمينكَ الزقزاقُ، رسولُ الغيث أغنيتَه الفخورةَ الحلوة، تلتقيك الكراكيُّ، وهي تعرفُ قدركَ، بالأجنحة البهيجة وبغبطةٍ تلتحقُ بغبطة.
10 والآن لتسْرعْ، يا ابن أمي، حتى ترى ، وأنت تحصي أيامَ لوعةِ المهجور ، الزوجةَ الوفيةَ المتصبرّة من أجلي: زهرةٌ ذاويةٌ هو قلب المرأة المُحب، مرفوعاً ،أيامَ الفراقِ، بسويقِ الأمل وحده.
11 وحين سمعوا رعودَك على الترحاب، والفُطْرُ برعمَ احتفاءً بأسابيعك الخصبة، والبجعاتُ، المتطلّعاتُ إلى بحيرةِ هملايا، أعدّتْ النفسَ لصحبتكَ إلى قمم كايلاس، وفي مناقيرهن ألياف اللوتس.
13 لتُحسن أولاً معرفةَ طريقِكَ الذي ستأخذُ، أيها السحاب ثم أصغ لرسالتي قبل أن تبتعد خفيفاً، فأمامك جبالٌ تتسامى وأنهارٌ تتدفّق: وإن ألمّ بك التعبُ فعلى الجبال استرح، ومن رشاش الأنهار بلَّ ظمأك.
14 راوغْ نكايةَ الفيل السماوي الخرقاء، ومن هذه الذرى حلّقْ بحلة الغابةِ الوفيرة، وعذارى "سيدها" اللواتي يبصرن تحليقك باتجاه الشمال سوفَ يحدّقنَ عالياً بذعرِ البسطاء، خشيةَ أن تحملَ الريحُ ذروةَ الجبلِ بعيدا.
15 وأمامك فوق تلالِ النمل يشرقُ قوسُ "إندرا" ككتلةِ أحجارٍ كريمة. ومقارنةً بأقواس القزحِ الباهرة، سيجعل هيئتَك الداكنةَ أكثر احتفاءَ بالجمال، مثل "ڤيشنو" الراعي المزيّن بريش الطاووس.
16 زوجاتُ الفلاحين في مرْجِ "مالا" البعيدة، برغم براءتهنّ من كلّ فنونِ الغنَج، سيمنحنك نظراتِ حب عجلى، لأن عليك عمادُ الحقول المثمرةِ العطِرة. ومن ثم تبدأُ خفيفاً مع الريح الغربية.
17 غابات المانگو على الذرى، التي أخمدتْ مياهُك نيرانَها سوف تلطّفُ من أتعابك. في استعادة الذكرى الكريمة لا تزدري حتى الروحُ الوضيعة، يدَ العون في اليومِ العسير. ....
18 بثمارِ المانگو الناضجة تحتشد القمم. وأنت في ظلمتك الهادئةِ، مثل خبز بليل. وفي استراحتك على الجبل، مثل حَلمة داكنةٍ لنهد الأرض الأبيض، فأيّ إثارة هذه في زواج آلهةٍ وآلهاتٍ.
19 عرائش الجبلِ حلوةٌ لعذارى الغابةِ أبداً. فهل تُرى تُقيمُ لحظةً في ذروته، ثم تحلّق، أيها الممطرُ، بعدها إلى نهر ريڤا المسارع بمرحٍ على أرضِ ڤِندهيا الوعرة، مثل خطّ مرسومٍ على جلد فيل موحل.
20 وحيثُ يُبطئُ التفاحُ الورديُّ مجرى النهر، هناك أنعِشْ النفسَ من تعبك بما يقطّره من تدفقٍ عَطرٍ سائلُه اللاذع. بعدها لن تستجيب لأهواء كلِّ ريحٍ ـ الفارغُ خفيفٌ أبداً، وثقيلٌ هو الممتلئ.
21 راقبْ نبتة الفوّةِ على الضفافِ، (الفوة نبتة تستعمل للصباغة) بُنيّةً نصفاً، ونصفا خضراءَ بالبراعمِ في مخاض الولادة، واقضم حيث تجد آذان الجدي المدلاة، (آذان الجدي نبتة) ورائحةَ التربةِ الحلوةَ فتشممْ، فسيلاحق الأيّلُ آثارَ خطاك النديّة التي تنهي اليباب.
22 ومن تعهّدك تخفيفَ ضنى الحبيبةِ الممض، أتوقع خلافاً لذلك في كلِّ تل حيث يُزهرُ الياسمينُ، وزرافاتُ الطواويسِ تُطلقُ بدموعِ الفرحِ صرخةَ الترحاب. تضحيتُك بيّنةٌ، ولكن لو تتعجّل.
23 مباركةٌ أرضُ داشارنا بمقدمك بوشائعِها المتوهجةِ بالبراعم، وأشجارِ قريتها المحتفيةِ بأكثرِ من عش لغراب عجوزٍ أليفٍ، وتمٍّ واهنِ الخطو، وأزهار تفاحّ.
24 سترى هناك المدينةَ الملكيةَ، الأكثر شهرةً وستنال جزاءَ العاشق بتمامه، إذا أنت جعلتَ رعدك رقيقاً هامساً، حلو المذاق رقةَ وحلاوةَ النهر أسيرِ الرقرقةِ بين قدميك.
25 حينها استرحْ لحظةً على جبلِ نيكاييس، حيث أجماتُ الفُوّةِ يرتدين معاطفهنَّ المزهرة مرتعشاتٍ بفعلِ لمستك. وحيثُ رجال المدينة يحدقون توقاً بفعلِ الغبطةِ منزوعةِ اللجام في قلب الكهوف حيث يطوف عطرُ النسوة المرحات.
26 انطلق بعدها منتعشاً، وأنعشْ برذاذك البراعمَ الذابلة لعرائش الياسمين في الحدائقِ والأدغال النادرة على ضفاف انهار الغاب. وتحت الظل المحبب إرع وجوهَ الفتيات المورّدة بفعل الحرارة، باللوتس المتدلي ذابلاً من غدائرهن.
27 عن طريق الشمال انحرف، ففي وجهةِ الجنوب تتعالى شرفاتُ القصر الذي ربما لم تره في يوجاين الجميلة. وإذا لمْ تأسر قلبك العاشقَ العيون التي ابتهجت لوميضك، فباطلٌ بصرك.
........ .........
*( عادةً ما يقرن كاليداسا،الشاعر والدرامي الهندي، حوالى 400 ميلادية، بشيكسبير. عاش في مرحلة Guptas ، وكان واحداً من "الدرر التسع" التي زينت بلاطه الامبراطوري. اشتهر بأعمال شعرية غنائية، ملحمية، ودرامية عدة، لعل هذه القصيدة الغنائية، التي سنواصل تقديمها في أعدادنا القادمة، أكثرهن شعبية بفعل الفتنة الحسية والروحية فيها، وبفعل تعرضها لألحان كثير من الموسيقيين. القصيدة في جزئين: "السحاب السابق" في 63 مقطع خماسي أو stanzas، و"السحاب التالي" في 52. القصيدة من فن المرثية، التي يرسل فيها المنفي ياكشا، وهو في عزلة الجبل، رسالة الى حبيبته عبر السحاب. تُرجمت الى الغرب أول مرة عام 1789 ، ولقد كان إعجاب گوتة بسحر إحدى أعمال كاليداسا الدرامية مشهوداً، بحيث كتب قصيدة إطراء بحقها. الشاعر شيلر تبنى تقنية "رسول السحاب" في عمله الدرامي "ماري ستيوارت". هذه الترجمة النثرية عن ترجمة A.w.Ryder الانكليزية 1912.)
|
|
||
|