ما العمل؟* الى: روح صفاء الحافظ
ياسين طه حافظ
هل أُدينُ انتباهي إذا قلتُ إني انتظرته حتى تغيبَ التفاصيلُ، حتى يغطي الضبابُ الحقولَ، لا ستذكر خطْفةَ خطوتهِ في الممراتِ صارمةً متعجّلةً للوصولْ، ولكي استعيد الشعاع العنيدَ بعينيهِ يفرز بين الكلام وبين العملْ
أنا، من غير ما خجل ٍ، أجهل كيف هو استُلّ من بين أهدافهِ وحقائقهِ؟ أنا أجهل أي الجرائم دارتْ عليهْ . كلُّ أفكارهِ ما استطاعتْ تعطّلُ قبْضاتِهم البنادق كانت تزيح القوانين مثل القمامةِ- كانت رفوف "الحقوق"** محملة كتبا ودساتيرَ فمن يحسم المسألة؟
أنا أذكره الآن وأعرفُ أن مساحةَ نسيانهِ أطلعتْ شوكَها والذين حواليه قد غادروهْ وهمُ الآن يستعرضون الجرائدَ أو يشربون ببار قديمٍ وقد يحملون سلالا محمّلةً بصلاً وخضاراً إلى أهلهم متعبينْ.. ، ليس غير التفاهة في أي حال.
هو في قارةٍ والجميع وُراءه في قارةٍ . وانا في انكسارِ القناطرِ ابحثُ عن شرفٍ يسطع حين الخيانات سوداً توزِّعُ أرزاقَها.
عبرَ هذا المساء الحزين أسمعُ صوتَك يأتي دقيقاً ومنتظماً، قطراتٍ من الزئبق معدودةً تطرقُ : "إني . أريدُ . عملْ! "
أنا أعرف أن الحياة بعينيك أجمل من أن تضيعَ وانك تسعى لها . ما أنا اجهلهُ: أيةُ المعجزاتْ وهبَتْكَ احتمالا وهم يرفسون أمامك جمجمةً أنت تعرف صاحبَها ؟ وتحدّقُ فيها كأنْ سوف تهجِمُ، لكنهم يحسبون الدقائق كي تنتهي وتبوحَ وأنت أضعتَ الزمانَ : الجريدة مغلقةٌ والنقابة مغلقةٌ ومحاضرةٌ حان، أو لم يَحِنْ ، وقتُها . زبدٌ أسودٌ وذؤابةُ ضوءِ غريقٍ تدور وأنت تريدُ طريقاً ، تريدُ ، ولا تستطيعُ ، عملْ.
ربما ساخرا، أنت تبتسم الآن في ألمٍ ربما لتشير إلى ما ترى، ربما لتوجّه كيف يكون العملْ كيف يزحف منكسرٌ في الظلام إلى البابِ، يفتحها ويعلّق لافتةً للجموع التي تتكوّمُ في الريحِ والبرد صاغرةً تتساءل أبصارُها: "ما العمل؟"
قلت لي مرة: أنتَ وسط الظلام، فكن نارَهُ لا أريُدكَ تسألني: ما العملْ؟
كل شيءٍ مضى. هل رأيت الحياةَ؟ حقائقَها؟ مثلهم نحن في ساعة تُسْتَثار الرداءةُ نحن، ومعذرةً، مثلُ أعدائنا، بشر واحد فوق هذا الترابْ. هل رأيت شناعاتِهم، أو شناعاتنا؟ ذاك ما قد رأيتُ أنا الحياة مُدَمَّرةٌ ما أملنا به فاتنا- ما العمل؟
هي هذي الحقيقة موجعةٌ : نحن لم نكتملْ كل قلبٍ له ظلمه للجريمة كي تختفي . ذلك العوز الأبدي . شرّنا يصنع الخيرَ وخيرهُم يصنع الشرَّ دائرةٌ أُغلِقَتْ حولنا، والجمالُ البعيد يشير لنا – ما العمل؟
إن ما جاء من يدنا كان مفخرةً مثلما كانَ صنعَ عقابٍ لنا أنتَ في الحالتين أضعتَ شبابَك غضّاً بقيَتْ لغةٌ تُحسِنُ الوصفَ : بادلتَهُ وطناً أم خسرتَ به وطنا ؟
ليس هذا مصيراً لمثلكَ ، كنتَ نقيّاً ومتّقِداً وترى الأفقَ أقربَ مما نرى. أخذتك أياديهمُ الغاضبات لكي لا ترى ولكي لا يراك أحدْ. وأظنك رحتَ بذاك الشعاع البطوليّ، تلقي وصاياك.... مبتعدا. لم اقل لك، هل تُفجَعُ الآن إذا قلتُ بأن رفاقك في السجن أو خارج السجن قد نزلوا من حراساتهم ولقد أطفأوا المرصدا والصراخ الذي كان يأتي من الغرف المظلماتِ في آخر السجنِ تكوّمَ مثل خيوطٍ مبللّةٍ والحروفْ تركت تلكمُ اللافتاتِ وانك....... ضعتَ سُدى!
أجلس الآن في غرفتي عبَثٌ آخرٌ : أتذكّرُ ما قد جرى ..
*"ما العمل" واحد من مؤلفات "لينين" ** الحقوق: إشارة إلى كلية الحقوق حيث كان الحافظ أستاذ القانون فيها
|
|
||
|