قصيدتان

 

خالد الناصري

 

 

المرجومة

 

وهم يطمرون نصفي الأسفل في الحفرة، تذكرتك يا حبيبي لأن رطوبة التراب

ذكرتني بكَ حين الشهوة تحولت بفعل كلامك الحنون إلى بللٍ بين ساقي.

 

الحجر الأول

فوق نهدي الأيسرِ تماماً

حيث رسمتَ أولى قبلاتك يا حبيبي

بشفتيك الراجفتين

مثل الخوف

 

الحجر الثاني

على كتفي الأيسر

حيث نزعتَ عني عباءتي السوداء التي تكرهها

ونبهتَ الملاكَ العتيدَ بأنه يجب أنْ يغادرَ

بيدك المرتجفة

مثل الخوف

 

الحجر الثالث

على رأسي

فأصابتني دوخة ناعمة

تماماً كتلك التي أصابتني حين عصرتَ نهدي

بيدك المرتجفة

مثل الخوف

 

الحجر الرابع

أفقت من دوختي

 

الحجر الخامس

على شفتيّ فاحمرتا

لكن ليس خجلا من قبلاتكَ هذه المرة

بل دماً نقياً طاهراً مثل شهوتك يا حبيبي

 

الحجر السادس

على أذني اليمنى

سمعتُ صوت الأذان

 

الحجر السابع

على أنفي

شممتُ رائحة جسدكَ

 

الحجر الثامن

على عيني اليسرى

رأيت طيراً أبيض

 

الحجر التاسع

على كتفي الأيسر أيضاً

مات الملاك العتيد

 

الحجر العاشر

على رأسي

 

الحجر الحادي عشر

على رأسي

 

الحجر الثاني عشر

على رأسي

على رأسي

على رأسي

على رأسي

على رأسي

على رأسي

على رأسي

على رأسي

 

الحجر الأخير

اعذرني يا حبيبي

لم أعد قادرة على تذكرك الآن

وقد ألهبتهم شهوة الرجم

كما ألهبت شهوتك جسدي ذات يوم.

 

 

 

 

 

 

خبطَ عشواء

مقطع من نص طويل

 

 

( أجل ولدتُ ولكن ليس بقرارٍ من القوى العلوية، يا بودلير، يا أبتِ، أأكون شاعراً إذن؟

أنا ولدتُ

و أمي ذُعِرَتْ ولوحت بقبضتيها المتشنجتين في وجه الله وقالت:

ليتني وضعت وكراً من الأفاعي

بدلاً من أن أرضع هذا الطفل التافه

ملعونة هي ليلة المتعة الزائلة التي حملته فيها

ليكن هذا الحمل كفارةً عن كل ما ارتكبته من آثامٍ

بما أنك يا رب اخترتني من بين النساء جميعاً

لأكون موضع قرفٍ لزوجي البائس.

لكنَّ ملاكاً خفياً لم يبسطْ حمايته عليّ ولم أسكرْ بالضياء وفي كل ما أكلت وما شربت لم أجدْ الرحيق ولا شراب الآلهة.

أأكون شاعراً إذن؟

 

أجل لهوتُ مع الريح وتحدثتُ إلى الغيوم ومشيت على درب الآلام مغنياً، لكن الروح التي رافقتني في حجي المقدس لم تبك لرؤيتي فرحاً كعصفور الغابة. فأنا ما كنتُ فرحاً أبداً

أأكون شاعراً إذن؟

 

أجل زوجتي الأولى فعلتْ ما فعلته الأوثانُ القديمةُ وجعلتني أعيدُ طلاءها بالذهب ثم سكرتْ بعطر الناردين والبخور، بل إنها زاحمت الولاء الإلهي في قلبي المعجب وعندما سئمت هذا التهريج مدت يدها القوية الهشة إلى قلبي بعد أنْ مهدت الطريق له أظافرها الشبيهة ببراثن الجوارحِ.

لكنها لم تقتلعْ قلبي المدمّى كعصفورٍ مرتعش

بل اقتلعته كدميةٍ مرتعشة

أأكون شاعرا إذن؟

 

وعندما رفعت ذراعيّ بهدوء إلى السماء

لم ألمحْ عريشاً رائعاً

وومضاتُ روحي الكبيرةُ الصافيةُ

لم تحجبْ عني مشاهد الشعوب الغاضبة

أأكون شاعرا إذن؟

يا بودلير يا أبتِ؟)*.

...

حسنا، دعني أوضح أكثر:

في ليلة من ليالي الخريف، بعد ولادتي طبعاً، كنتُ عارياً أبكي. أمي اعتقدت بأني أبكي من البرد، فغطتني بملاءات بيض كما يغطى العيبُ.

وأنا الذي لا أستطيع النطق حينها واصلت البكاءَ معتقداً أن أمي ستفهم أنَّ هناك في هواء الغرفة زهراتٍ بيضاء تنمو وبحاجة لمن يسقيها.

 

 

الآن، أي بعد ثلاثين عاماً على تلك الحادثة، أنا أستطيع النطق، وبثلاث لغاتٍ، ولكني كلما أردتُ القول إنَّ هناك في هواء الغرفة...

زهرات

بيضاء ....... لا أستطيع.

فقط أبكي معتقداً أنَّ الآخرين سيفهمونني.

فقط أبكي مثل عيبٍ غطوه بملاءات بيض.

لذا يا بودلير

وأنتم أيها السادة القراء

إذا ما تفهمتم مشكلتي هذه

فاسمحوا لي أنْ أواصل البكاء ضمن التعريف التالي:

يُخلق الشاعر في الطفولة، قبل أنْ يستطيع النطق، عندما يُترك وحيداً وعارياً في غرفة موحشةٍ وباردةٍ. حيث يرى بتلات زهراتٍ بيضاء بدأن في النمو في هواء الغرفة، وعندما يريد أنْ يخبر أمه عن رؤيته تلك يبدأ بالكلام باللغة الوحيدة التي يملك، وهي البكاء. لكن أمه لا تفهمه والدليل على ذلك أنها تقوم بتغطيته أو بملاعبته أو بإرضاعه لكنها أبداً لا تقوم بسقاية زهراته البيضاء. أغلب الأطفال يتوقفون عن البكاء بعد إحساسهم باللا جدوى أما الذي يواصل البكاء فهو الذي سيصبح شاعراً.

 

 

لذا اسمحوا لي مستعيدا طفولتي أنْ أواصلَ البكاءَ علّي أصبح شاعراً

علّي أرفرف بجناحيْ ملاكٍ فوق هذا العالم

علّي أكلم إلهاً فوق جبل في صحراء

علّي أشفي مريضا أو أحيي ميتاً

علّي إذا ما دخلت كهفاً خرجت منه نبياً

-        لا، أنْ تصبح شاعراً، علك إذا ما سرت محموماً في شارعٍ، تدفأ بك المشردون.

 

 

* المقاطع الموظفة في النص وهي من قصيدة بعنوان مباركة لبودلير من ديوان أزهار الشر ترجمة حنّا وجورجيت الطيّار:

 

 


 

 

 

 

غلاف المجلة

فاتحة اللحظة الشعرية

 

* 

 

دراما استنزال المطر  خزعل الماجدي
المرجومة   خالد الناصري
القصائد الأخيرة لعام 2009    فوزي كريم
ما العمل؟   ياسين طه حافظ
 

* 

 

رماد غرامشي  بازوليني
كارمينا بورانا
رسول السحب    كاليداسا

 

*

 

محمد غازي الاخرس: أصوات رصاص

استعادة الجيزاني
السبعينيون   حكمت الحاج
السبعينيون   عواد ناصر


*

 

حصاد المحرر: الشعر

الشاعر، وشاعر المرحلة

"شيراز" ماريوس

على هامش قراءة هيرنانديز

القصيدةُ من وحي لوحة!

 

*

 

حصاد المحرر: الموسيقى

لولو: الأنثى المُميتة

شانكار و السيتار

مع الفرقة السيمفونية القطرية في لندن

 

*

 

حصاد المحرر: الفن
الفنان ورسائلُه

الرسام غوركي: تجريد التراجيديا

 

 

موقع الشاعر فوزي كريم      الصفحة الأولى         اعداد سابقة         بريد المجلة

  ©  All Rights Reserved 2007 - 2010