خماسية الصباح
عبد الخالق كيطان
في الصباح الباكر، أعني عند عودتي من الليلة القاسية، أجرّ الخطى إلى ما أسمّيه غابتي، وَبِوَلَهٍ لا أفسّره أتفقد شجيرات الطماطم الصغيرة، وما يجاورها من أحلام زرعتها في حديقة المنزل، المنزل الجميل، الذي يذكرني كلَّ يوم بمنزل الولادة، ذاك الذي تباغته العقارب السامّة باستمرار، فيما تباغتني اليوم رغبة مستمرة في سقي شجيرات الطماطم. ***** وفي الصباح الباكر وصل عبد الأمير جرص إلى المطار،حاملاً معه في رحلة الخلاص ظهره المقوّس، وألبوم من الذكريات الحزينة. كان جرص يحلم بالمرعى الأخضر هو أيضاً، ولكن سيرته ستنقطع فجأة، عندما تدهمه دراجة هوائية، فترديه صريعاً على الرصيف، الرصيف الحميم الذي سيدوّن بمفرده سيرة شاعر "الأحزان الوطنية"* **** وفي الصباح الباكر أيضاً، وأمام مخلوقاتي الأنيسة، يمر ّالشريط ذاته خلل دخان سيجارتي. مرّت الليلة بسلام، وليس ثمّة ما يريب غير بعض الإهانة، أما هناك فليس سوى صورة واحدة، هي صورة الشارع الذي صار نهر دم. *** في الصباح الباكر، خرج حشد من المشيّعين إلى المقبرة. كانت الأجساد التي يحملونها مجرد أكوام من اللحم. لم يترك الانفجار الشديد فرصة للأمهات كي ينتحبن على أبنائهن. حشد من المشيّعين وصل إلى المقبرة، فيما صباح القاتل على الجانب الآخر صار مناسبة لتقبل التهاني. *** وفي الصباح الباكر أيضاً، كنت والكائن الصغير نبحث عن قمر. أخذنا حديقة المنزل طولاً وعرضاً، ولما يئسنا صدّقت أن القمر سقط في البحر الذي هو جاري فيما الكائن الصغير يحفر في الأرض. ***
* أحزان وطنية: مجموعة الشاعر الراحل عبد الأمير جرص، نسخها ووزعها في بغداد في العام 1997.
|
|
||
|