عزلة الكورال

 

 

    ما الذي يشدني لموسيقى الكورال والحنجرة البشرية؟ مع أن الكورالات الكنسية لاتينية النص في معظمها. وهذا يعني أن النص الذي لا أُحسن فهمه، ومتابعته، لا يُسهم في هذه الجاذبية.

    لا شك أن الحنجرة البشرية هي عماد الموسيقى مُنذ خُلقت. وما الآلات إلا ضرب من المحاكاة لها. والإنسان بدأ الغناء قبل العزف. وإذا ما سمع أصوات الطير والحيوان فطرب، فإنما سمع حنجرةً، لا آلة مصنوعة. وحين بدأ هذا الإنسان يتأمل في حيرةٍ أسرارَ الكون، والقدرة الجليلة وراء خلقه، وأحس بحاجة إلى التعبير عن هذه الحيرة، كانت تراتيله أولى الأسس للموسيقى الدينية، التي عرفتها شعوب الأرض دون استثناء.

    أحيان كثيرة أُعرّج على مركز هندي للتسوق قريب من البيت، طمعاً في سماع تراتيل هندوسية لا تختلف عن الأغنية، التي تتناوب بين المغني الفرد والكورس. باستثناء أن التكرار الذي تعتمده يوحي بأن هذه موسيقى مكرّسة. شيء شبيه، ولكن أكثر تعقيداً، سمعته من حلقة منشدين داخل أبهاء جامع القرويين بفاس. أكثر تعقيداً لأن المنشدين فيه بطبقات منفردة، ومتفاوتة التنوع. كلُّ صوت له منحى لحني منفرد. وبذلك تتقاطع الألحانُ بنسيج هارموني غير شائع في الموسيقى العربية. على أن القاعدة المشتركة تظل ثابتة في الإنشاد الكورالي: الغناء الجماعي يسهّل من جهد المنشدين. 

    التراتيل الكنسية في الغرب نالت حظاً أوفر من الحرية في تطورها. كانت هناك بضعة منغصات من بعض البابوات في العصر الوسيط، الذين عارضوا التلوين اللحني، والهارموني في الأداء، أو عارضوا مشاركة الآلات الموسيقية، خشية من الافتتان. ولكن حركة الحضارة كانت أصلب عوداً. ولذلك يملك الميال إلى هذا الضرب الموسيقي ثروةً من هذا الموروث لا تُقاوم.

    في المرحلة المعاصرة، بدأت المواهب الشابة تحقق التفاتة مؤثرة إلى الخلف، في حقول الفن والأدب، والموسيقى ضمناً. تعاود الخطى، التي كانت ضالة، على الطريق الموصول بالموروث. تمتحن قدراتها من جديد في التعامل مع الإيقاع، اللحن والهارموني. وتستلهم ينابيعها الفياضة أبداً. وموسيقى الحنجرة المنفردة والجماعية في مقدمة ما استلهمت.

    في الموسيقى الإنكليزية أكثر من بارع في حقل التعبير الديني هذا. ولكن James MacMillan (مواليد1959) أكثرة إثارة اليوم. آخر إصدار له بين يديّ عن دار Naxos عملٌ بعنوان "الكلمات السبع الأخيرة"، التي تُروى عن السيد المسيح. وضع لها هايدن، قبل أكثر من مئتي سنة، عملا كورالياً شهيراً، كثيراً ما يُعيد صياغته الموسيقيون أوركسترالياً، أو على آلات رباعية وترية. ولكن هذا العمل معاصر، فتيّ، ميال إلى تعبير أكثر تعقيداً، وأوسع أفقاً من الحدث التاريخي. إنه صرخة أذى يتعرض لها إنسان هذه الأرض، حيث يكون. تنفرد الوتريات حيناً، وحيناً المنشدون، وثالثة الحنجرة المنفردة، وكأنها جميعاً تحاول إحاطتك أنت بمزيد من الإضاءة. أنت وحدك المعرض للضوء الكاشف. وهذه واحدة من أروع عناصر "حداثة" العمل.

    عن دار النشر ذاتها صدر عملٌ من فن "القداس" لأمريكي يدعى "روبيرتو سييرا (مواليد1953). وضعني ثانيةَ مع صوت معاصر، متآخٍ مع الموروث. في مناخ يغلب عليه الإيقاع، الذي يشي بتأثيرات الموسيقى الكاريبية السوداء. موسيقى الجاز، التي تطل راقصة رقصة أسى، عبر صوت الكورس، السوبرانو، والباريتون. وهذا العمل لا يقلّ عن السابق إضاءة لذات المستمع.

    الأوبرا تعتمد عناصر الحنجرة المنفردة والكورس هي الأخرى. ولكن الحدث الحكائي يجعلها أفقية بالضرورة، حتى لو كانت بعمق أوبرا فاغنر. في حين أن غيابَ الحدث، وغيابَ النص بفعل لاتينيته، يقرب موسيقى الكورال من الموسيقى الصافية، المجردة. يجعلك أكثر حرية في أن تعرّض ذاتك لإضاءتها. بأنك منقطع لهذه الإضاءة الكاشفة. وبأنك والإضاءة في عزلة تامة. هذا يحدث مع الكورال الغريغوري المبكر، مع باخ، هايدن، موتسارت، بيتهوفن. كما يحدث مع المتأخرين من معاصرينا.

 

 

 

 

غلاف المجلة

فاتحة اللحظة الشعرية

 

* 

غريْهَم هولدرنَس : قراءةٌ لقصيدة فيليب لاركن

عبد الكريم كاصد : تحولات البياتي

طالب عبد العزيز : أغلال الوجود الحر

عبد الخالق كيطان : خماسية الصباح

خزعل الماجدي :  آخر صفحات الشعر الرافديني

نصير فليح : 3 قصائد

 

*


ملف: سركون بولص

 

محمد غازي الأخرس : نهار سركون بولص

 علـي جعفـر العـلاق :  شـعـرية الطـوفــان  

حسن ناظم : مآل ُسركون بولص

فوزي كريم :  مشروع نص نقدي

سركون : قصائد مبكرة

باسم فرات : حوارات عابرة للزمان

يوسف الناصر: خطوط وألوان لاحتضان الشاعر

رحمن النجار: معبد سركون بولص

صالح زامل : قراءة في شعرية سركون بولص

 

*

 

حصاد المحرر: الشعر


أبجدية الرمل

عروس الثلج

 

حصاد المحرر: الموسيقى
 

عزلة الكورال

مقتطفات كافكا

 

حصاد المحرر: الفن

صادق طعمة : من العباسية إلى سومر

 

موقع الشاعر فوزي كريم      الصفحة الأولى         اعداد سابقة         بريد المجلة

  ©  All Rights Reserved 2007 - 2009