من مجموعة السنوات اللقيـــطة (دار المدى، 2003)
هيئوا وطناً غير هذا المضرَّجِ في دمه
دججّوا كلَّ هذي المواسم ، دججوا أشهراً وأسابيعَ ، أيامكم والدقائق . فأنا أتصاغرُ حتى لأدنى الثواني تحارُ بمقدارِ حجمي !
هيئوا وطناً غيرَ هذا المضرّجِ في دمهِ ، حُلَّةً للكرامةِ غيرَ الرداءِ المهلْهلِ ، عصراً على قدْرِ كارثتي . مالكمْ ، كلما رحتمو للقتالِ تعودُ أناشيدُكم دونَكم ؟
9/12/1998
يوميات الهرب من الأيام
1 أكتبُ يومياتي كي أهربَ من أيامي !
2 معطفُها جازٌ وجوازٌ لمرور مزاجي الراقصْ . ألهبتُ الحلمةَ بالإيقاعِ فلاحَ الأثرُ على أضلاعي وشماً ، من حرقةِ جسدينا حين التقيا ، ومعاً في الإيقاعِ ارتميا . ....... ....... وطّنتُ النفسَ على الشعرِ الملعون ، لكنْ كم فسُدتْ كلماتي وتعفّنَ فيها المعنى !
3 وقطعتُ الشوطَ : رأيتُ جلاوزةً يفدونَ كما يفدُ الحجاجُ على محرابْ . قطعوا أشواطاً في الألقابْ ! سمّوه الشعرَ المفتونْ بالنفسِ ، وسمَّوه المسحورْ بالجمهور . سمّوه الطُرّةَ في تاج الملكِ ، وقرّةَ عينِ الشعرِ المحْدَث ، والرائي عَبرَ جدارِ الإسمنتْ . سمّوه ، محاباةً للأضداد ، الحيَّ الميتْ . سمّوه سلاحَ المعتَقد القاطع بيدِ الفقراءْ ، والحربةَ في خاصرةِ الأعداءْ .
وأقاموا في مذبحــه شبحا محزوناً فرحا .
ومع الأيامِ تطاولَ شبحُ المحرابْ ، وتقزَّمَ حجّاجــه ، وأُقيمت بينهما الأبوابْ .
4 وأنا مازلتُ أُفتشُ عن مأوى لم تعبث شمسُ الزمنِ بأهوائـه ، لم تمسسْ تربتَه خطواتُ الأيام ْ. عن شعرٍ لا تكتبُه الأقلامْ فوقَ الورقِ ، بلْ ينبشُ مثل الدودةِ في أرقي ، كي يُطلعَ نصباً للأسطورةِ لا مرئيّا ، ويصوّتَ إيقاعاً لا زمنيا .
الشاعرُ في رأيي ممروضٌ لا يُحسنُ فصلَ الذاكرةِ عن الذكرى . رومانتيكيٌّ ليس له ، من بين فصولِ الدورةِ ، إلا فصلُ خريفٍ واحد . يحيا ليموتَ ، لأن الموتَ الذروةُ في إنجاز الرغبـــة . والشاعرُ في رأيي كالطللِ ، له ما للطللِ من الأعراضْ : تسكنه الريحُ ويصفرُ فيه الماضي . وإذا جنَّ الليلُ تلاشى وتحدّث . لا صوتَ له ، لكن يسمعه الفيثاغوريونْ .
5 قارورةُ حلمي كانت صلصالاً ، وبها اكتملت غايةُ مثلي . .... ... كيف يضمّدُ شعري الجرحَ النازفَ ! والعريانُ على ناصيةٍ كيفَ يغطي عورتَــه ، ويواسي المرضى فوق أسرّتها ! أو جثثُ القتلى بين الحفرِ الرطبةِ كيف يُعيدُ اليها الدفءَ ! وشهقةُ محكومٍ بالشنقِ بأيّ مجازٍ يوهمها بالأملِ القادمِ ! شعري مثل الجرذِ يداهمه تيارُ الماء الآسنِ في المجرى التحتيّ : إذا ما هُتكَ الجسدُ العاري تحتَ سياطِ التعذيبْ ، وترمَّدَ كبدُ الأمّ ، واحتزَّ الموسى الرسغَ ، فأيُّ مجازٍ يمنحُ شعري صوتَ الذيبْ ، ويطعِّمُ أحرفَــه أنياباً ؟ ... ... سقطتْ ، واختلطَ الخمرُ بلونِ دمي ، وصدى الأفلاكِ بلحنِ فمي ، ومشيتُ أُرددُ : يا قارورةَ حلمي ، يا قارورةَ حلمي ....
6 في الركنِ الأحدبِ من شاشةِ تلفزيوني شاحنةٌ عبرت ، وجهٌ فوق المقودِ أومضَ وتحجّرْ . وأنا أنقادُ ، بفعلِ الذنبِ ، الى أحداقه أرتادُ جحيمَ مهاويها ، كي أتطهّرْ .
في الركنِ الأحدبِ ألتقطُ جنوداً أفردهم طيرٌ ناريْ - تقتربُ اللقطةُ - ثم انفردَ بجنديْ حافٍ ، وأصابَ الهدفَ .
التفتَ الجنديُّ إليْ وكأنّ الثقبَ الأسودَ ، فوقَ الجبهةِ ، ثقبٌ في كفَّيْ . لكنّ الثقبَ الأسودْ في كفي أوسعُ من أن يحجبَ عني المشهدْ ، فبكيتُ ، وصار بكائي إرثاً للأجيال .
الشعرُ أباطيلْ إن لمْ يسترْ عريانا . قضّيتُ العمرَ بـــه مزدانا ، والناسُ عرايا حولي .
7 أحببتكِ، خلّيني أتعثّرُ فوقَ طريقِ محبتكِ المسكونةِ بالترعِ وبالأنهارْ. قدمايَ توحّلتا ، وثيابي شفّتْ عن جسدٍ ظامئ .
أخفيتُ محاسنَ أضدادي، ودفنتُ الجثثَ بعيداً في الأوجارْ، وخرجتُ إليكِ، كأني أقتنصُ شهيقاً في لحظــةِ غرقٍ، لا تخشَيْ مني! أحببتُكِ أنتِ ، وهذا أثرُ الحمّى في كفَّيْ ! يفتنني الظمأُ ، لأنّ الظمأَ سبيلٌ للإشراقْ . وثيابُكِ لحنٌ يحجبني عن إشباعِ الرغبـــة .
أحببتُكِ ، هذا سرٌّ فلتُفشيـــه ، ودمي هذا فلتلِغي فيــــه .
8 إني مجنونُ الشمسِ الحارةِ في وطنٍ يتآكلُ تحتَ الشمسِ الباردةِ الرطبة ، وفمٌ ظامٍ يتحسّسُ ريقَ فمٍ ظامٍ ، تبتلُّ به الرغبــة وتجفُّ من الرهبـــة .
في عتْمةِ ذاكرتي كمْ أجفلُ حين أُعيدُ إليّ امرأةً أحببتُ ! وتنبأتُ : إني منذورٌ ملء فمي للحبِّ الخائبْ ، وسأُقتلُ من أجلِ امرأةٍ لمْ أرها إلا في حلمي ! وسأكتبُ شعراً للفانين . فأنا بستانٌ لا يقطفُ منها الثمرَ سوى العشّاقْ.
1996
ما الذي اخترت؟
1 يتركُ المرءُ مقدارَ أنْمُلــةٍ داخلَ الرأسِ للإحتمالْ . غيرَ أنّ الخسائرَ تأتي مُفاجئـــةً ، كافتقادكَ للنهــرِ والنخلِ حتى يُعيدا التوازنَ ، للأصدقاءِ ، يحيطونَ كأسَكَ مثل الهلالْ .
ثمَّ إنكَ في لحظــةٍ تتجرّدُ ممنْ تُحب ، وتعشو وحيداً طوالَ الطريقِ الى البيت .
كنا نؤمّلُ أنفسنا ثمَّ نحتاطُ ،حتى يفاجئنا في المنافي السؤالْ : - ما الذي اخترتَ ..؟
.. لا نُحسنُ الظــنَّ بالنفسِ ، حتى ليوشكُ واحدنا أنْ يُغادرَ ذاتاً ليفنى بذاتِ الإلــه . أو يفضِّلَ أن يتَــرَصّدَ، مثل الشَرك ، هفواتِ رقيبٍ سواهْ !
10/4/2000
2 حين فاجأنا النفيُ ، كان بثوبِ الجراحـــةِ ، عالجــنا بالمشارطِ ، طهّرَ من ورمِ الحلمِ أعضاءنا ، ثمَّ أقحمنا ، كي نؤدي لــه دورَنا الثانويَّ، بآخرِ فصلٍ على مسرحِ الظـــلِّ! منْ نحنُ ، إلا استشاطةُ أعمى يُقادُ بخيطِ المتاهةِ، نردٌ على صفحــةِ الليلِ يُرمــى. ومــا من صدىً لتَدَحْــ .. رُجِــــه.
11/4/2000
النخــل
كمْ نحاكـي استقامتَــه ، ثمَّ ننجـحُ ! كنّــا نحاكيــه في موسمِ الطلعِ ، نبعثُ رائحةً من رغائبـنا فتضاهي رغائبَه ، ولنا عادةٌ مثـلُ عادتـه في احتمالِ الهجيرْ .
غيرَ أنّـا اصطنعنا لــه ميتــةً ، كيْ نموتَ معــاً مثْلـه . وإذا النخلُ لا ينحني أو يموتْ !
26/1/2001
الخمرة
في خُلوتي ، أتابعُ الضوءَ الذي يتركه النهارْ في الكأس ، كلما طفا أرشفُه ، فيأخذُ الدوارْ رأسي ، وتُطوى حولي الخمرة ناعمةَ المخْملِ والحُمــرة .
لو أنني في داخلِ الزهرة أقدر أنْ أُمسكَ في الأصابع العشرة بدايةَ الخيطِ ، الذي أفلتَ من أصابعي مــرّة !
19/2/2001
|