من مجموعة آخر الغجر (دار المدى، 2005)
آخرُ الغجر
علانا المشيب. ولم تعدْ الريحُ ترعى ضفائرَنا. وأفراسُنا سمُنت. ومراقدُ من ماتَ صارتْ مَزارا!
كلما فاجأتنا رياحُ الهضاب أصَتْنا، كأنا عظامٌ مجوّفة.
ليس يجرؤ ذئبٌ على سحنةِ الليلِ فينا. ولا الشمسُ تدخلُ آبارنا. غير أنا، بذاتِ التواتر، لمْ نُبطلِ النسلَ.
أيها المتحاشون منا اقترابا خفّفوا وطأةَ الحذر. قدْ ترونَ مرابعَنا طللاً وهياكلَ. لسنا ضحايا وباءٍ مضى، ووقودِ حروبٍ جرتْ، بلْ مرايا لكمْ.
نقطعُ الشوطَ لا نقتفي أثرا. أو نحاولُ مجداً وراءَ الخرائبِ مندثرا. ولنا أملٌ أن نحاورَكم. أنْ نحاورَ فيكم فماً لا يكفُّ عن الإبتهالْ، ودماً يتطلَّعُ للشمس، يرقبُ خيطَ الزوالْ في استدارتها حين تغربُ!
هذا سبيلُ الرجوعْ، أيها الساكنون جسدا زائلاً، مثقلاً بمذاقِ الدموعْ.
24/4/2002
تمضي الرسائل
لمَ أكتبُ وحدي الرسائلَ في كلِّ شهرٍ؟ أحاولُ أنْ أستجيب لصمتكِ. إذْ أدعي أنَّ صمتكِ أبلغُ مما أحاول. في كل شهرٍ أضم الى اسمكِ في أول السطر ما أشتهي من خصالك: سيدةَ الشوق، والياسمين، وقداحَ سور الحدائق. حتى إذا ما تندّت زجاجةُ نافذتي من بخار فمٍ، قلتُ: أنفاسُ سيدة الشوق؟ لكنه الليلُ، أنفاسُ ريحٍ من الليلِ باردة.ٌ ثمّ أُنهي الرسالةَ.
بعد ثلاثين يوماً أحاولُ أن أستجيبَ لصمتكِ ثانية.ً أدّعي أن صمتكِ أبلغُ مما أحاولُ.
تمضي الرسائلُ من طرفٍ واحدٍ. ويواصلُ صمتُكِ من طرفٍ، وتراوحُ بينهما دورةُ الأرض، والشمسِ. حتى التواريخ َتُكتبُ باسمهما، وتدولُ الدول!
4/5/2002
قارئ في الظلام
أنت تحرص في ساعةِ النومِ أنْ تُطفئ الضوءَ، أنْ تتأكد باللمس من قفلِ بابكَ، من أن نافذةَ البيت مسدلةَ الستر. تقفز كالقطّ فوق السلالمِ، تندسّ تحت الفراش، وتحلمُ: أن الكتابَ الذي كنت تقرأه فوقَ مقعدكَ الآن يُفتحُ ثانيةً في الظلام، وأصابعَ أُخرى تقلبُ أوراقه. أن عيناً تُديم النظر في الفراغ المدوّم بين السطور!
2/6/2002
الدورةُ الدامية
أعوفُ مدينتي لكموا، وأخرجُ هارباً بدمي. فكمْ أدمت ثيابَكمُ الشعائرُ والطقوس! وها أنتمْ، على عجلٍ تعيدون القتيلَ بهيئةِ القاتلْ. وما أن تنضجَ الثمراتُ حتى يكثرَ القتلى بهيئةِ قاتلين! وإذْ يحين قطافُهم يُستبدلونَ بهيئةِ القتلى!
بذا تقضي الفصولُ، تعيدُ دورتها، ولا تَبْلى!
5/9/2002
رائحةُ التوت
من منا ينتسبُ لبعضٍ: هلْ أنتِ، بهذا الوجهِ المتغضّنْ؟ أم نحنُ، رعاة طريقِ اللاعودة؟ أمْ أنّ كلينا، يا بغدادْ ينتسبُ الى الجلادْ؟
رائحةُ التوتِ على أرداني ما زالت، لكن التوتَ تلاشى! والأسماكْ ما عادت تخترقُ التيارْ. بل صارا ينحدران معا للبحر كما تنحدرُ الأنهارْ! من يكسبُ قوتَ غدٍ من ذاكرةٍ تُخصبُ تربتَها الجثثُ؟ ومنْ ينتصرُ على حاضره بعصا الترحالْ؟
ما بينَ العالمِ كابوساً والعالمِ ماءً وظلالْ تنفردُ قصائدُنا، كحدودِ دفاعٍ من أسلاكٍ شائكة!
9/6/2003
|