كتب وكتاب ... "آخر الغجر".. ترجمة لتفاصيل الذات دمشق “الخليج (2006-05-18) الشّعر كائنٌ غجريٌ بامتياز، فإذا ما أراد أنْ يبحث عن انتماء ما لن يجد سوى الغجر كعائلة تليق بتبنّيه، لأنّه مثل أبناء الأوديسة السّمراء مدموغٌ بالحرية، ومكتوب عليه اللا استقرار، والسّعي الدّائم خلف شمس الحياة. مجموعة “آخر الغجر” تضم قصائد جديدة للشاعر فوزي كريم، صدرت عن دار المدى بدمشق، وربما حملت هذا العنوان للأسباب السّابقة التي تجعل من الشّعر توأماً للحياة الغجرية، تلك التي لا تريد سوى بلوغ أقاصي العالم، بحثاً عن معدن الحريّة الذهبيّ. تضم المجموعة 40 قصيدة، وغالبية هذه القصائد تنتمي إلى شعر التفعيلة، وهو النّمط الذي كرسته ثورة الحداثة العربية على يد روادها الأوائل : السّياب، نازك الملائكة، البياتي وغيرهم. قصائد فوزي كريم هنا تنتمي في غنائيتها إلى مدرسة الشّعر السّتيني، تلك الّتي أخذت على عاتقها تدبيج القصائد بالموسيقا العالية، والحالة البنويّة للشاعر الرّائي بعيداً عن فحص إمكانيات هذه الكتابة في كشف جماليات أخرى في الوزن والقافية، ثم اعتبرت فيما بعد لدى الأجيال اللاحقة مآخذ ومثالب ونقاط ضعف، عملوا على الثورة عليها من أجل الوصول إلى شعرية إنسانية في منأى عن كلّ هذيان القول المموسق، لأنّه يلهي الشّاعر عن ذاته حين يولي عنايته للشكل الخارجي على حساب أقاليم أخرى في النص. تأخذ قصائد “آخر الغجر” شكل القصيدة اليومية، فالشاعر يعمد إلى توقيع نصّه بتاريخ الكتابة رغم المسافة الزمنيّة المتباعدة بين قصيدة وأخرى، فالقصد هو طريقة التوجه، وهي هنا لدى فوزي كريم تمضي صوب كتابة أرق إنسانها في لحظة زمانية بذاتها. تنكتب تفاصيل الذّات في “آخر الغجر” وفق رؤية شعريّة تسعى إلى الإمساك بتلابيب فعل الكتابة بوصفه ترجمة للذّات، فالشّاعر في هذه القصائد يقف على نفسه، يحاورها، ويشاكسها، ويسوح في أعماق نفسه بحثاً عن سطوع وجدانه، لكنَّ الاعتماد على نظام الوزن يحول دون إتمام ذلك، لكون هذه الآليّة في الكتابة تشغله بسبب الاعتناء ببرانيات القول عما يجب أن يكون عليه النص، ويقول في مطلع قصيدته الرئيسية “آخر الغجر”: “نقطع الشوط لا نقتفي أثراً أو نحاور مجداً وراء الخرائب مندثراً، ولنا أمل أنْ نحاوركم، أنْ نحاور فيكم فماً لا يكف عن الابتهالْ.
|