امرأة من رخام
منذُ عشرين
عامْ
وأنا أتأمّلُ ظلاً يُقاربُ بين الكلامِ وبين الحجارة،
حيثُ تبدو
القصيدةُ في هيئةِ امرأةٍ من رخامْ
تتوسطُ حقلاً
وتكشفُ للشمس عن فتنةٍ
في
الخطوطِ وفي الاستدارة.
كلما أورثتني الطبيعةُ حكمتَها
صرتُ أصغي لقلبِ
الظلامْ:
في مخالبَ خاطفةٍ فوقَ صِدْغيَّ،
في الرائحة
تتفَشّى
سريعاً مع
اللمسةِ الجارحة.
ولذا أترقَّبُ في حقلِ أغنيتي
كيفَ يبدو الرخامْ
أولَ
الليلِ ظلاً لمعنى،
ثم يبدأ دفءُ العظامْ
في مفاصله، واحتمالُ
الكلامْ.
1989
في
محترف القاتل
أخرج من أعنابِ كردستان ،
أهوي فوق سامراءَ بالكأسِ،
وفي
بغداد أُغوي حانةً عند أبي نواس
أطويها مع المعطفِ حولي وأولّي صوبَ ماء النهرِ
والأسماكْ.
رائحةُ السِّعدِ، سخامٌ في قناني العرقِ الفارغة
يقذفُها الموجُ،
وأقمارٌ علي الأسلاكْ
وهي تحيطُ دجلةَ المعتزلْ.
جاريةٌ تخرجُ من مضاربِ
البدو على
رمالهِ
تكشفُ في مرآته عنْ عورةٍ زانيةٍ لتغتَسِلْ.
(أفي
الظلامِ
يُقبل المختلسُ الزاني!)*
أدورُ في محتَرَفِ القاتلِ
في القبو الذي يسكنُه
العقربُ،
في رائحةِ اليود، ولا أكتمُ أنفاسي
وفي رأس قتيلٍ أتريّث.
أدورُ
من رأسٍ لرأسٍ،
أتوارى
مثل صوفٍّي وراء الأقنعة
في طرقٍ تصفرُ فيها همساتُ
الخوفِ والشهوةِ
والرغبةِ بالموتِ معا.
يمسكُ بي حارسُ بوّاباتها
الممْتنَعة،
يقودني لحضرة القاتل!
(صوت
القاتل)
القبو
رطبٌ،
كيف لا أُمسكُ بالجرذِ الذي يفلتُ
من بَوْصلتي. كيف
!!
وهذا الشبحُ
الرابضُ في الظلِّ
!
وهذي العينُ لا تُخطئها الجمرةُ…
ثقلُ قارّةٍ على
جبيني.
نمرٌ يقفزُ من
أدغالِ أشلاء إلى
ذاكرتي.
لا أطأُ الأرضَ. أنا القاتلُ.
لا
أُقرنُ إلا بفمِ الذئبِ. وبالحدأةِ
كم تحترسُ الأطيارُ في الأفق!
وتُغويني
مرايا النفسِ والنرجسُ.
كم تشبهني الشمسُ ولا أشبَهها!
إني قرينُ
الموت…
لا أبعادَ لي إلا ضحايايَ، وكأسي مُترعه…
خذها ومّزق فُضلةَ
الرداء
عن زمنٍ تخفيه لا تُمسكُه بوصلتي
.
عن زمني الآخر من أزمنتي
الأربعة!!
في سرّتي أخفيتُه يوم ولدتُ ومعي يموت.
(أغنية
الكأس)
مهترئٌ
رداءُ أيامي وخطوي على
مُفتَرقٍ
وليسَ لي من
خيارْ.
الكأسُ!!
أم نبضُ دمٍ جائعٍ
في شفةٍ!!… فهاتها يا جرارْ
صرفاً
علي الوعد، فلي إخوةٌ
كم شربوها مرةً… أو مرارْ
في حانةٍ لليلِ منذورةٍ
!
اليومُ خمرٌ… والندامى
كثارْ .
أشربها
وأسبقُ القتلى
إلى
الأقنعة
وأدخلُ الزحمةَ: هل تجهلني!
هل يثقُ الأحياء
بالأموات!!
1989
من
قصيدة الحان
الزجاجي
1
وأعود أكثرَ هدأةً في خطوتي وأقلَّ حيرة
شيخاً أضرَّ
به دخانُ مَرَافئ
المدنِ الكبيرة
.
وكأن وقْعَ تساقطِ الأغصانِ
والثمرِ
المجففِّ في الوحولْ
أصداءُ من سبقوا خطايْ!
أرتادُ حاناً لا يحلُّ به
سوايْ
أيامُه متخثّراتٌ في الكؤوسِ ودونَه تَمضي الفصولْ.
أخليتُ مائدتي
لمدعوّينَ ما عادوا لمائدتي الفقيرة
ذهبوا مع الوعدِ الجميلِ إلى
مدَافِنه
الأخيرة.
لندن 1985