الإليـــــاذة
الكتاب 17
ترجمها عن الإنكليــــزية
فالـــح عبد الرحمـــن
نسب قدماء الأغريق ملحمة «الالياذة»» الى«هوميروس»، الشاعر (أو
المغني) الذي تلفّه الأساطير، واعتبروها دوما ديوان حماستهم والتعبير
الأعظم عن
عبقريتهم الشعرية، بل العبقرية الشعرية الأعظم دون استثناء. الأبحاث
الحديثة ترجح
أن التداول الشفهي للملحمة، يعود إلى القرن الثامن ق.م، وهي بذلك تٌعدّ
العمل الأدبي
الأول في لغة الاغريق، بل في اللغات الأوروبية كافة. وبدأ العمل
المتفرق على
تدوينها بعد ذلك، إلى أن أمر الطاغية بيسيستراتوس في القرن السابع ق.م
بتدوين موحدّ
لها. الملحمة بقيت مدار التركيز التحريري والأدبي حتى نهاية حضارة
الاغريق في العصر
الهيلينستي (الاسكندراني)، الى أن أعاد عصر النهضة الأوروبية اكتشافها،
وأحلّها
موقعها الرفيع الذي بقيت فيه منذ ذلك الحين.
تصف «الالياذة»، أو «قصة مدينة
اليون»، الحرب بين تلك الحاضرة الثرية على الساحل الغربي من تركيا
الحالية،
والتحالف الكبير يبن الأقوام الإغريقية (التي تسميها
الملحمة دوما «الأرغاف» أو
"الآخيّون"،
ولا يرد ذكر الإغريق فيها إلا كواحد من تلك الأقوام. بطل اليون (الاسم
الدارج لها باللاتينية وبالتالي بالعربية هو طروادة) هو هكتور، وهو ابن
برايام ملك
طروادة، فيما البطل الاعظم بين الآخيين هو أخيل (بن بيليوس بن أياكوس).
مليك
الأقوام الأخيّة هو أغاممنون (الإتريديّ)، فيما يقود عمليات الحملة
شقيقه مينيلاوس.
الاسم الآخر للملحمة هو «غضبة أخيل»، ذلك أن حبكة الملحمة تدور على
الخلاف بين
البطل الأعظم اخيل والملك اغاممنون، خلاف الذي يقود إلى تلك الغضبة
واعتزال أخيل
الحرب. تخلي أخيل، امير جند المرميدون، عن الحرب يمكّن الطرواديين من
صد الهجوم
عليهم ومن ثم اخذ الحرب إلى خطوط الاعداء، حيث يوشكوا على الانتصار
النهائي باحراق
الاسطول الغازي.
هذا،
باختصار، ما ترويه الملحمة من «الكتاب الأول» إلى «الخامس
عشر» (وهي تقع، حسب تبويب الأقدمين، في ٢٤ «كتابا»). «الكتاب ١٥» يهيئ
لانقلاب
الرواية، بعد أن يذهب باتروكلوس (وهو بالنسبة لأخيل«رفيق الحرب الأعظم،
والحب ّ
الأغلى») لتفقد وضع الآخيين، فيهوله ما يراه من دمارهم الوشيك. في
«الكتاب ١٦» يذهب
باتروكلوس ليستعطف اخيل العودة إلى الحرب. فيرفض أخيل ذلك أولا، ثم
يدرك أن ذلك
يعني ليس فقط هزيمة الأرغاف بل دمار الاسطول بكامله، من ضمنه اسطول
المرميدمون،
فيوافق على عودة الميرميدون
إلى
الحرب ولكن بقيادة باتروكلوس، إذ أن غضبه لا يكف عن
الغليان. «الكتاب ١٦» يتحدث عن الهجمة الضارية التي يقودها باتروكلوس
على هكتور
والطرواديين، وصولا في نهاية الكتاب إلى صعقه من قبل الاله أبولو، ثم
الطعنه التي
ينالها من المقاتل اليافع يوربايلوس (بن بانتوس)، قبل ان يجهز عليه
هكتور. (نشرتٌ
الترجمة الكاملة لـ«الكتاب ١٦» في السنة ٢٠٠٠، عن دار رياض الريّس،
وكنت قد نشرت
أكثره
في جريدة «الحياة» في ١٩٩٧.)
"الكتاب
١٧"
يروي قصة الصراع على جثة البطل
القتيل، بدءا من تصدي مينيلاوس المذكور اعلاه لانقاذ الجثة، وطلبه
المساعدة
(أياس
بن تيلامون)، «البطل الاعظهم والأبهى بين الأخيين عدا البيلادي أخيل»،
والأهوال
التي عاناها الآخيون لكي يصلوا بالجثة إلى الساحل لتسليمها إلى أخيل.
القصة واضحة،
لكن ربما كان من المفيد ايضاح بعض النقاط:
*
باتروكلوس انطلق إلى قتال
الطرواديين لابسا «العدة الخالدة»، عدة أخيل، وقد كانت اصلا هبة الآلهة
الى بيليوس
والد أخيل. الحصانان اللذان يتكرر ذكرهما هما ايضا من «خيل الخلد»، هبة
أبي الأرباب
زوس الى بيليوس.
*
الحلفاء الأهم للطرواديين هم «الليلكيون»، ويخبرنا
"الكتاب16"
عن مقتل مليكهم ساربيدون على يد باتروكلوس، ومن هنا التعنيف الذي يوجهه
غلاوكوس، قائد الليكيين
بعد مقتل ساربيدون، إلى هكتور امير الطرواديين.
*
انقسام
موقف الآلهة من الحرب واضح -- مثلا أبولو دوما ضد الآخيين فيما أثينا
تناصرهم، في
حين ينقل أبو الآلهة زوس مناصرته لهذا الطرف أو ذاك حسب ما يريد.
---------------
الصراع على جثة باتروكلوس
واذ مينيلاوس الاتريدي يرى
مصرع باتروكلوسَ
يهاجم وهاجا بالابرونز ليحمي الجثمان، كرائمةٍ
لم تعرف قبلا
ألم الوضع وتحنو تنهض فوق البكر،
كذا بالرمح وبالدرع تصدّى الأشقر
مينيلاوسْ.
ويأتيه يتلمظ للجثمان الرائع يوفوربوس فتى بانتوس
يلوّح
بالرمح الدردار ويزعقُ:
»اتريديّ،
أيا ماجدُ! سيدَ سادات
الجندِ!
تراجعْ،
اترك لي نهبي! دع عدته المدماةَ
فاني
أول من طال البطل
الأرغافيَّ،
أنا
وحدي دون الطرواديين وحشد الأحلافِ
لذا اتركه أو أحرمك لذيذ
العيش برمحي«.
ويغلي غضبا مينيلاوس، يصيح:
»بحقك
زوس! أما من حدّ
لغرور البانتوسيين
ذوي الأرماح الدردار؟ هناك الفهد المختال بقوته
والأسد
القتّال، وثمّ الأشرس: خنزير البر بقلبٍ
يتهلل دوما للفتك -- وها أبناؤك
بانتوس!
ولكن يوفربوس الا تتذكر روّاض الخيل المقدام،
شقيقك هايبرنور؟
ألم يتصدى لي ويهين، ويدعوني
الأحقر بين الدانانيين؟ وهل حملته قدماه من
بعد
ليرجع يفرح زوجته وكريم الأبوين؟
لذا يوفربوس تعلّم، حتى للاحمق أن
يتعلّمَ،
ارجع أو يأتيك المكروه، توارى في الحشد«.
ولم يأبه يوفربوس
وصاح:
»ربيب
الخلّد مينيلاوس! قتلت اخي هايبرنور وتفخرُ،
تشمت بالأم
الملتاعة، بالزوجه رهن فراش الوحشةِ
في البيت الخالي
-
لا
بدّ من الثأر
الآن عسى أن أرجع للأوطانِ
برأسك
والعدة، القيها بين يدي بانتوس
وأمي
فرونتيس
الملكية، أن يجدا فيها بعض عزاءٍ:
هيّا
مينيلاوس
اذن نمتحن
القلبين، نرى
من
يصمد في الحومة، من يهرب منها«.
هذا ما قال ووجه ضربته
كي يخترق الدرعَ
ولكن ينعكف السنّ، يخيب على الطيات الصلدة
-
في اللحظة إذ
يتراجع يدهمه مينيلاوس الصيّاحُ
باسم الربّ، ويلقفه في الحلقوم، يشدّد
طعنته،
ينفذها عبر الغضروف فيهوي كالجذع الداوي
يوفربوس: دم يدفق فوق ذوائب
مضفورة
بالعسجدِ والفضة مثل عرائس وادي الجنّ.
تصور نبعة زيتونٍ في
بستانٍ منعزلٍ موفور الماءِ
يراعيها الفلاح فتنمو، تتمايل بالزهر الأبيض
حتى
تفجأها ريح صرصر تجتثّ الزيتونة
-
هذا كان مينيلاوس الحربي اذ اجتاح
الرماح
الرائع يوفربوس.
كما أسد جبليٌّ معتد بالقوة يدهم قطعانا ترعى،
فيصيد العجل الأجمل، يخطفه في الرقبة
بالفكين
الجبارين ويعمل فيه نهشا في
الأحشاءِ
وشفطا
بالدم فيما حول الفكة يعلو نبح كلاب الرعي
وصيحات
الرعيان
ولكن يمتقع الكل، يشلهم الرعب
ولا
من يتصدى لليث - كذا لا قلب لدى
الطرواديين
لصدّ
الباذخ مينيلاوس.
وأوشك أن ينهب عدة يوفربوس سوى أن
ذاك
أثار
أبولو، فتقمص منتيس، أمير الكيكونيين،
وجاء
إلى هكتور شبيه
الأرباب، إليه جنّح
هذي الكلمات:
»طارد
ما شئت حصاني نسل أياكوس ولكن
هيهات
فلن تظفر بهما هكتورُ، لأن لا إنسان فان ينقادان له
غير أخيل ابن
الربّة - لكن انظر! لا زال الحربيّ مينيلاوس
يحامي جثة باتروكلوس، وقد أودى للتوّ
بيوفربوس الرائع،
أبهى الطرواديين، وانهى
جرأته في الغمرات«.
كذا قال
أبولو وانسلّ إلى الحشد، اله بين عذاب الناس.
غيم اللوعة، إعصار الحزن
الأسود يغمر هكتور
فينظر عبر صفوف الحرب: يرى يوفربوس صريعا يشخب
فيما
مينيلاوس يقارب أن يسلبه البزّ المشهود
فيطلق صيحته المرهوبة، يعصف نحو
الحومة
مثل اللهب الخالد يرعاه هيفيستوس.
واذ تأتي مينيلاوس الصيحة
يحتار،
يناجي
القلب المقدام:
»وماذا
الآن فؤادي؟ إن أترك هذا السلب
الفخمَ
وأيضا اترك باتروكلوس وقد مات دفاعا عن شرفي
فهو العار أمام الأرغاف
-
ولكن أن اصمد وحدي
خوف العار فهل غير الموت بهجمة هكتور البراق الخوذة
يأتيني
بجموع الطرواديين.
لكن مهلا قلب، لماذا الحيرة؟ هل للإنسان الفاني
أن
يتحدى الأرباب، يقاتل من فضّله الأرباب؟
إذن لا عار إذا أخليت الموقع، فالكل يرى
حظوة
هكتور لدى الأرباب.
لكن إذ أتراجع، ألقى بين الأرغاف اياس بن
تيلامون
المرهوب الصيحات فقد يكفي بأسانا لنواجه حتى الأرباب
وننقذ هذي الجثة
كُرمى
لأخيل
فتى بيليوس.
المأزق مرّ لكن لا مخرج آخر للمأزق«.
وفيما
يتدبر مينيلاوس الأمر يقاربه هكتور
على رأس الطرواديين، فيخلي الموقع،
يرجع
عن باتروكلوس ولكن متئدا، يتلفت للخلف:
كما أسد كثّ اللبدة، قلب
يطفح بالجرأة لكن
تحت رماح القرويين وهجمات كلابهم تخبو
فيه النار فيترك عن
كره قطعان القرية
-
هذي كانت رجعة مينيلاوس الأشقر
عن جثة
باتروكلوس.
وما ان يبلغ صف الأخيين يدور، يجيل الطرف
يريد أياس الجبار
فيلقاه في ميسرة الجيش
يهدئ
أفئدة أرعبها الرب أبولو، فيشد إليه
الخطو،
يصيح:
»أياس
صديقي! سارع كي نحمي جثة باتروكلوس!
هكتور استلب
البزّ الخالد والآن أقلا إنقاذ الجسد العاري
كُرمى
لأخيل فتى بيليوس«.
كذا
كانت صيحة مينيلاوس، ويسمعها الحربي أياس
فيضطرم القلب ويعصف نحو الموقع يصحبه
مينيلاوس.
وجاءا هكتور وقد سلب البز الباهر، أوشك ان يسحب
باتروكلوس
ويستل الابرونز ليقطع رأس الجثة،
يرمي بالباقي لكلاب الطرواديين.
وكاد
سوى ان اياس بن تيلامون تصدى بالدرع:
جدارٌ، سورٌ دون الجثمان - فيخلي هكتور
الموقع
ويستدعي مركبة الحرب ليرسل عدة باتروكلوس
الى طروادة كي تكسبه
المجد.
التيلامني أياس تصدى بالدرع الضافي:
ليث في الغابة يمشي
بالأشبال ويفجأه الصيادون
فيثبت موقعه، يعرض كل الجبروت، يزمّ النظرة
حتى
تغدو زيحا يتلهّب - هذي كانت وقفته إذ حامى
جثمان الحربي ابن منيتوس.
إلى
جانبه بفؤاد يتفطر حزنا يصمد مينيلاوس الأشقر
عاشق أهوال
الحرب.
-----
وهنا بالنظر الشزر يدور غلاوكوس بن هيبولوخوس
إلى
هكتور يؤنبه:
»في
المظهر أنت الأعظم، أما في الجدّ فلا نفع فيك!
تدبّر
أمرك، كيف سنتقذ طروادة اذ تيخلى عنك الأحلاف؟
لأن لا ليكيٌّ واحد بعد الآن
سيمضي لقتال الأرغاف.
ألسنا يا جاحد أعظم من طاول واستبسل، لكن ما
المردود
سوى أن تتصدى، تنقذ جثة يوفوربوس الأدنى قدرا
فيما أسلمت صديقك، ضيفك
ساربيدون، وقد بذل الروح
دفاعا عن طروادة، عنك، قتيلا بين الأرغاف
طعاما
لكلاب الأرغاف؟
لذا إن يسمعني الليكيون لنترك طروادة للهول
المقبل
للقدر المحتوم
-
هذا ما أطلب، الاّ ان عادت للطرواديين
شجاعتهم،
عادوا للحرب بأفئدة تتلظى، جيش يتفانى دون الأوطان،
فقد يمكننا سحب
الجثمان إلى طروادة حيث نفاوض
جمع الأرغاف على تسليم العدة رائعة، عدة
ساربيدون،
مقابل جثة باتروكلوس - رفيق أخيل، البطل الأعظم
بين الأرغاف، يقود
الرماحين الأعظم في سفن الأرغاف.
لكن هيهات فانك في الحومات تجنبت المرهوب
أياس
لأنك تعلم كم هو أعظم منك«.
وهكتور يدور اليه بالعين
الغضبى:
»كنت
أراك الأصوب رأيا في قومك، لكن لا أدري الآن.
فأنت تعيرني
بالاحجام وتنسى اني لا اخشى صدمات الحرب،
هدير العجلات، وأيضا
تنسى المرهوبَ
الأرهبَ: زوس يلوّح
بالدرع القدسيّ، به يستل من الشجعان شجاعتهم،
يحرمهم
إكليل النصر (وما اسهل ذاك على الخلّد)
أو يلهبهم، يبعث فيهم حمّى
الحرب.
هيّا غلاوكوس اذن، اصمدْ جنبي لترى إن كنت جبانا
حسب الزعم، ام
اني رغم سعار الأعداء سأقحمهم،
أسحب منهم جثة باتروكلوس«.
كذا قولة هكتور
ويتبعها بالصيحة نحو الطرواديين
وحشد الأحلاف:
»طرواديون
وليكيون ورماحي
الداردان! تعالوا، دوروا
لمواجهة الأرغاف! ثباتا في الصفّ الى أن أرجع بالبزّ
الخالد،
بز أخيل، وألبسه باتروكلوس ومنه سلبت البزّ غداة قتلت
البطل المعلم
باتروكلوس«.
بهذا غادر هكتور البرّاق الخوذة تلك الحرب الشعواء
وغذّ إلى
الرفقة، عشاق الحرب الطرواديين، ليسترجع
عدة جبار الأرغاف يسيرون بها للحاضرة
العظمى
-
بعد قليل لاقاهم، سلّمهم عدته واستلم البز الخالد،
صنع الأرباب،
هديتهم لحبيبهم بيليوس، واذ ادركه الوهن
تنازل عنه،
وأورثه
لفتاه
أخيل.
(
ولا بزّ يحميك فتى بيليوس ولا حتى من صنع الخلّد
-
هذا ما قدّره
الأرباب.)
من العلياء يحدق زوس، يرى هكتور يهمّ بلبس
سلاح أخيل فيأخذه
الحزن، يغمغم:
»هل
تدري يا تاعس ان الموت يقاربك الآن؟
فأنت قتلت فتى لا
أشجع أو أنبل، باتروكلوس
رفيق مخيف الكل أخيل - ومن ثمّ تماديت،
نزعت البزّ
الباهر عن كتف وصدر رفيق أخيل.
هذا ما قدّره الأرباب، ولكن عزائي ان امهلك
الآن،
أهبْك الجبروت عشية موتك، اذ لن ترجع حيّا
تختال أمام الزوجة أندرومكي
بالبزّ الباهر
بز أخيل«.
هذا ما قال ابن كرونوس المرهوب، وفورا مسّ
العدة،
عدّلها لتلائم هكتور، وجاء أريسُ ربّ الحرب
لينفخ في قلب الطرواديّ
البأس
-
وإذ يتقدم بالبز الخالد، بزّ عظيم القلب فتى بيليوس،
يقابله
الحشد بصيحات التعظيم، أناشيد التمجيد.
وإذ ينتظموا لقيا هكتور، يقودهم
الأبطال غلاوكوسُ
وميثليس وميدون، ثريسْلوخوس واستبْريوس
ودايسونورُ
وهيباثاوس وفوركيس، أنوموس القارئ احشاء الطيرِ،
يخطابهم هكتور،
يجنّح هذي الكلمات:
»أحلاف
وجيران! جموع لا تحصى! لم أطلبكم،
كلّ من
موطنه النائي، لأفاخر
بالعدة والاعداد
ولكن لأخلّص أهلي، نسوة طروادة،
رضّعها،
من أبناء الحرب الأخيين.
لكم أفرغت خزائن طروادة للتجهيز
وللإطعامِ
وقدمت هدايا لا أنفس تشجيعا لقلوب الكل
-
لذا هيّا لمواجهة
الأرغاف، وسيّان النصر أو الموت:
بديل مرعب منه تنطلق السكرة
بالحرب!
باتروكلوس الآن قتيل. لكن من يبعد عن جثته
حاميها الجبار أياس
فسوف أناصفه النهب،
أقرّ له مجدا يعدل مجدي«.
واذ يختم هكتور القول تفور
حشود الطرواديين:
رماح مشرعة تتلهف للجثة - لكن هيهات،
فصفا صفا يحصدهم رمح
الجبار أياس.
----
وإذ تتواصل تقسو هجمات الأعداء يدور أياس
إلى
مينيلاوس ويهمس بالتحذير:
»ربيب
الخلّد مينيلاوس، صديقي!
لا
أدري كيف
سننجوا من هذي الدهياء
(ولا
أتكلم عن باتروكلوس فجثته ستصير
قريبا
للأعداء،
طعاما لكلابهم، لضواري الطير)
فهذا
هكتور تحول اعصارا يحتاح الكل يجئ لنا
بالقدر المحتوم - لذا لا حلّ للنقذ رأسينا
غير ندائك، صيحتك الجبارة
تطلقها للأرغاف
عسى أن يسمعنا أحد، يسرع للنجدة«.
وفورا يسمع مينيلاوس
النصح،
ينادي بالصوت الداوي:
»تأتون
الينا، للإتريديّين، اخي أغاممنون
ولي
مينيلاوس لكرع الخمرة دون حسابٍ
من
أرزاق الجند، ولكن في الحومة لا
اعرف
موقع
أيّ منكم، انتم يا من أمّركم زوس
على
الناس وكللكم بالمجد، وها
نحن ننادي،
نستصرخ:
هيّا للنجدة، حتى ان لم ادعوكم
فردا
فردا بالاسم
-
تعالوا أو فالعار يخالطه
الغضب
المرّ اذا عدنا عن باتروكلوس،
تركنا
جثته
لكلاب الطروايين«.
هذي كانت صيحة مينيلاوس، وفورا يسمعها العدّاءُ
أياس
بن اويلوس فيعصف نحو الموقع، يتبعه ايدمينوس
يرافقه مريونيس مصارع
رب الحرب
أريس.
وإذ يندفع الكل، جموع فوق الحصر، لدعم البطلين
يهبّ الطرواديون
اليهم كالرجل الواحد، يلهبهم
يتقدمهم هكتورْ.
تصوّر نهرا يسري رقراقا في
أرض الخلد،
إلى أن يصل البحر فيفجأه الطوفان الهدّار
يصمّ الآذان يدمر كل
الشطآن كذا كان
هدير الطرواديين لدى الزحف على الأرغاف.
سوى ان الأرغاف
تصدّوا: قلب واحدُ،
سورٌ وهّاجٌ بالابرونز يحيط بباتروكلوس.
وهنا يتدخل
زوس، يغطي كل الأسلحة البرّاقة
بالغيم الأسود: ذلك أن في الماضي لم
يتعرض
باتروكلوس
الحيّ، رفيق اخيل، لكره أبي الأرباب،
لذا
لم يقبل للجثة ان
تذهب نهبا لكلاب الأعداء،
فأوحى
للأرغاف :
"صموداً
ضد الطرواديين!
ثباتاً
حول ابن منيتوسْ"!
-----
مع ذلك في الأول يضطرب الأرغاف اللهّابو
الحدق
فيندفع الطرواديون: رماح مشرعة تتحرق للجثة
-
لكن إذ يصلوها تضعف
هجمتهم إذ لم تقتل أحدا،
وبذا كسب الأرغاف المتنفس، عاد فعبأهم للحرب
أياس،
البطل والأعظم طرّا والأبهى بين الأرغاف عدا البيلاديّ أخيل.
أياس
يخوض لقلب الحومة: خنزير جبليٌّ في الغابة
يفجأه أقوى الشبان يثيرون كلاب الصيد،
فيحرف عنهم
في الأول ثم يدور فيدهمهم، وبيسر ينثرهم في أرجاء الغابةِ،
هذا
كان أياس الماجد حين انقضّ على الطرواديين.
لكن في الحومة يستقتل جند
الأعداء لسحب الجثمان
لطروادة
كي يكسوها المجد - وينقضُّ هيباثاوس
الحربيُّ،
سليل البيلاسجي ليسوث، ليربط ساقي باتروكلوس
بسير
الدرع ليسحبه،
يبهج هكتور وجمع الطرواديين.
ولكن إذ يتراجع بالجثة يدهمه القدر الماحق، إذ
يبصره أياس،
يرى خوذته البراقة تعلوها أذناب الخيل، فيعصف عبر الحشد
ويطعنه
في الخوذة، حيث صفاح الابرونز تحامي أعلى الفكّ
-
يجمّع كفيّه ليدفع بالرمح
الهائل، يخرق عظم الفكّ ويمعنُ،
يندلق المخّ يخالطه الدم يغمر صعدة نسل
تيلامون.
وتنهيه الطعنة، يسقط منه سير الدرع وينهار رويدا للأرض
على صدر
ابن منتيوس - بعيدا عن موطنه، لاريسّا الخضراء
بحيث طفولته في كنف الأبوين: ولن
ترجع للأبوين هيباثاوس،
تجازيهم بالاحسان، فقد مُتَّ
بأول نضجك بالرمح
الجازرِ،
رمح أياسْ.
واذ يبصر هكتور الفتكة يرسل نحو أياس، سوى أن أياس
يرى القذفة، يحرف عنها، فتصيب سْكِديوس،
الأرهب
بين الفوسيين، سليل عظيم
القلب أفيتوس، مليك الحاضرة
المعمورة بانيوبيس. تخرق طعنته ترقوة سكديوس
وتمعن
في العظم لتبزغ من أعلى الكتف، فيهنار سكديوس،
تقرقع عدته في
الأرض.
وإذ يتقدم فوركيس ليحمي جثة هيباثاوس يلاقيه أياس
ويطعنه في
اللّامة تحمي البطن، فتنشق اللامة يمضي الابرونز
لعمق الأحشاء فيهوي فوركيس،
أصابع تبحث في الترب.
هنا يتراجع هكتور الباذخ بالطرواديين فتعلو صيحات
الأرغاف
وينقضّون لسلب هيباثاوس وفوركيس - وأوشك
جند الأرغاف
على دحر
الطرواديين، اعادتهم للحاضرة العظمى اذ غلب الجبن
عليهم فيما يتزايد بأس الأرغاف
فيندفعون ليجنوا مجدا
لم يقسمه زوس.
----
وكادوا لولا أنّ ابولو
جاء الى اينياس على شكل بريفاسَ
بن
ابستور، سفير ابي اينياس الى الأقوام، وأفنى
في خدمته العمرَ
وكان
حكيما ومحبا للابن – فعاتبه:
»اينياسُ،
ألن تحمي
طروادة شاهقة الأسوار برغم ارادةِ
هذا
أو ذاك الربّ؟ فكم شاهدت رجالا يحمون
الوطن الغالي
حتى في وجه أبي الأرباب - فما بالك حين يريد أبو الأرباب
النصر
لنا أكثر مما للأرغاف.
ولكن ما النفع وقد أوقفتم هذي الحرب مخافة بأس
الأرغافْ«.
ويسمعه ويحدق فيه اينياس فيدرك ان هذا تدبير أبولو،
الرب
الرامي المبعاد. فيقصد هكتور، ينادي:
»هكتورُ
وقادةَ طروادة والأحلافِ! حذار
حذار
العار اذا أرجعنا
عشاق الحرب الآخيين الى طروادة دون قتال - وللتو أتاني
الرب
أبولو كي يبلغ
أن
أبا
الأرباب يريد النصر لنا، ولذا لنهاجم،
نمنعهم من
اخذ الجثة للسفن السودْ«.
واذ ينهي اينياس الصيحةَ يجتاز مقدمة
الطرواديين
ويمعن
نحو الأعداء - هنالك يثبت موقعه،
فيعود
العزم الى
الطرواديين وينتظموا لقيا الأرغاف.
وفورا يبدأ اينياس الهجمة، يرسل نحو
ليكوتريس المقدام،
سليل أريسباس، مرافق ليكوميديز، واذ يقصده تندلع
النار
بقلب لكوميديز فيرسل نحو بْساوون، سليل أمير الناس هباستوس
فيخترق
الرمح الأحشاء الى كبد بساوون فينهار،
وكان
الأعظم في بْيونيا بعد
استربيوس.
ويغلي استربيوس وينهض للثأر، ولكن هيهات، لأن الأرغافَ
أحاطوا
بابن منيتوس: رماح مشرعة في وجه الأعداء
وبينهم يتحرك بالتعليمات
أياس:
»لا
رجعة عن باتروكلوسْ! ولا من يتخطى دائرة الأرغافِ
ليرسل نحو
الأعداء! صمودا حول ابن منيتوس
وقصعا لا يرحم، طعنا وجها للوجه!«
كذا
يأمرهم جبار الحرب أياس.
دم أسود ينصبّ يغطي الأرض، ركام القتلى
يتصاعد:
طروايون واحلافهم الشجعان - وأيضا بعض الأرغاف،
ولكن اذ يتماسك
جمعهم، يدافع بعضهم عن بعض
لم يحترّ القتل بهم مثل الطرواديين.
كذا تتضرم
نار الحرب ولا من يعرف ان كانت شمس تسطع
أو قمر يبزغ اذ لفّ الكل ضباب قاتم غطى
حرب الأبطال
على باتروكلوس.
في الأثناء على الجبهات الأخرى، شمس ساطعة
وسماء صافية،
لا غيم على القمم الشماء أو الأرض - لذا لم يكثر بين الطرفين
القتلُ
اذ اكتفيا بالارسال من البعد - خلاف المركز حيث ضباب أسودُ،
حربٌ
عمياءُ تزيد عذاب الجند وابرونز لا يرحم يُعمل في الأبطال.
بعيدا عن تلك
الحومة لم يدر البطلان ثراسيميديس وانتيلوخوس
بمقتل باتروكلوس، وظنّاه حيّا يعصف
بالاعداء على رأس الآخيين.
لذا بقيا في قطاعهما ليديرا العملية تنفيذا لأوامر
نستور
بجنب
السفن السود غداة استنهضهم للحرب.
قتالٌ مرٌّ يتطاول. لا
متنفس بل عرق ينصبّ يغطي القامات
من القمة للأخمص، يعشي الأعين، يزلق فوق
القبضات
-
كذا الحومات على باتروكلوس، رفيق العداء الأعظم
نسل
أياكوس.
كما رجل يسلخ ثورا، يأخذ جلد الثور لينقعه في الماء
ويشبعه
بالزيت ويعطيه للصناع يحيطون به في دائرة
ويقسون عليه بالشدّ رواحا ومجيئا كي
ينشف، يمغط،
يسري
فيه الزيت - كذا يتجاذب صفّا الحرب الجثة:
الطرواديون لأخذ
ابن منيتوس الى طروادة، والآخيون
الى السفن السود: أوار يرتاح له، مهما اشتدا
غضبا
ربّا الحرب أثينا وأريس، مثيرا نار الحرب بقلب الشجعان.
كذا زوس
الدامر ذاك اليوم أدار رحى الحرب على الجند
على الخيل على
باتروكلوس.
------
في البعد عن الحومات ازاء حصون
الطرواديين،
بمجلسه
عند الشاطئ، لم يتناهى لأخيل الباهر
مقتل
باتروكلوس،
وفكّره حيّا وسيرجع ما ان
يصل
الأسوار - فقد كانت ام أخيل تسرّ اليه
دوما في
الخلوة بالاقدار يدبّرها زوس،
ولكن
لم تعلمه المقدور الأبشع: موت
رفيق
الحرب الأعظم والحب الأغلى
باتروكلوس.
في الأثناء تواصلت الحرب - رماح
مسنونة،
جزر
متبادل، فيما يتنادى جند الأرغاف:
»
حذار العار اذا عدنا
للسفن الجوف،
تركنا
باتروكلوس، لذا فلتفغر
فاهاً
هذي الأرضُ السوداء
وتبتلع الكلّ،
فذلك أشرف من ترك الجثمان
لرواضي الخيل الطرواديين«.
مقابل
ما يتناداه
الطرويون عظيمو القلب:
»صحاب!
اذا كان المقدور لنا ان نقتل
عند الحثة أهلا
بالمقدور، ولا رحعة لا رجعة
عن باتروكلوس«.
كذا يتكلم كلهم تقوية لقلوب
لكل،
بحرب
ضارية، ابرونز يدوي في الابرونز
حيال
سماء في لون
الابرونز.
بعيدا عن تلك الحومات، بمدرار الدمع،
ينوح
حصانا الخلد، حصانا
نسل أياكوس،
على
باتروكلوس المحبوب ضحية هكتور القتّال
-
ومهما
حاول
اوتوميدون المقدام ابن ديوريز،
بمعسول
القول او السوط اللاذع، ان يمضي
بهما
للمأمن
في السفن الجوف، أو الحرب بجنب الأرغاف
فقد
بقيا عند المركبة
الفخمة - مثل التثمال
على
قبر امرأة أو رجل -- ميل الأعناق بدمع
ينساب الى
الترب، كذا ثبتا، بنواصٍ شعثٍ،
أرسان
سائبة تتدلى للأرض مذ افتقدا
المحبوب
ابن منيتوس.
واذ يبصر زوس الدمع الهامي يرثي لهما:
»حصاناي
المسكينان، لماذا اعطيتكما لمليك المرميدون،
الانسان الفاني بيليوس، وانتم من
خيل خالدة لن تعرف
طعم
الموت؟ فهل لكما اخترت معاناة عذاب الفانين
-
لأن
لا
من يتنفس أو يمشي فوق الأرض أشد شقاء
من
ابناء الانسان.
لكنّ
عزائي ان
امنع هكتور هكتور المركبة الفخة،
يكفيه
ان يتبختر بالبز الخالد، أما لكما،
فسأنفخ
في القلبين وفي الأقدام القوة للاسراع بأوتوميدون
فالى
السفن السود،
فقد قررت النصر الى الطرواديين،
أريد
لهم جزر الأرغاف الى أن يصلوا السفن
السود
وينهال على الكلّ الليل القدسيُّ«
كذا قال أبو الأرباب، وفورا
تسري في القلبين
وفي
الأقدام القوةَ، ينتفضان، يهزان الناصيتين،
يزيلا
وعثاء الحرب وينطلقا للحومات
تلفّ الطرواديين الأرغاف.
الى قلب المعرك
يدلف أوتوميدون برغم اللوعة
مذ
فارق باتروكلوس، وينقض على الطرواديين
كما
طير كاسر ينقض على الأوز، وما إن يخترق الحشد
يعود
ليهجم - لكن لم يقتل أحدا
اذ كيف بتصريف الرمح
الى
جانب تدبير حصاني نسل أياكوس.
ويراه الكميدون
فتى لركيس، سليل همون، فيضحك:
»أي
اله أغراك بهذا الحمق أوتوميدون، لماذا
يهزأ،
يحرمك
العقل؟ فأنت تقاتلُ لكن لا تقتلُ
مذ
راح رفيقك باتركلوس - وها
هو هكتور
يباهي
بالنصر الأعظم، يختال ببز فتى بيليوس«.
ويرد أتوميدون بن
ديوريز:
»ومَن
بين الأرغاف يضاهيك بتدبير حصاني نسل أياكوس،
عدا
باتروكلوس شبيه الأرباب، ويا للوعة اذ غيبه الموت؟
لذا
هيّا، قدْ هذين لكي
أترجل للطرواديين«.
هذا ما قال، وفورا يقفز الكميدون ليمسك بالخيل
الخطافة
فيما يترجل قفزا أوتوميدون.
وحين يرى المنظر هكتور الباذخ يقصد
إينياس:
»صديقي
إينياس الشاكي الابرونز، حكيم الطرواديين!
الا تبصر هذين
المسكينين يقودان حصاني نسل أياكوس؟
اذا شئت تعال لنسلب، اذ لن يصمد هذان ازاء
الهجمةِ«.
هذا ما قال وفورا وافقه اينياس، وهبّا للموقع يحمي كلا منهم
درع جبار من جلد الثور يقوّيه الابرونز، وصاحبهم خْروميوس
وشبه الأرباب
أريتوس، فقد ظنّوا ان لا أسهل من قتل الرجلين
وسلب
الخيل، ولكن يا للحمقى! اذ
جهلوا ان لا وقف لأوتوميدون
اذا
لم يستوفي الثأر دماء بدماء.
أما
أتوميدون فصلّى للرب الأعظم زوس
وفورا
يسمعه الربّ ويكشف غمّته
ويعمّر
بالاقدام القلب، فيأتي ليخاطب الكميودون:
»اثبت
في الموقع! ضع خيل
البيلاديّ تماما خلفي،
أن
اسمعها تتنفس، أحمي الخيل بصدري،
اذ
لا وقف للوثة
هكتور الى ان يقتلنا نحن الاثنين،
يدير
الخيل الى الأرغاف ليُقتل في الصفّ
الأول
أو
يجتاح الأرغاف«.
كذى انهى أوتوميدون القول، وأتبعه
بالصيحة
نحو
رفاق الحرب أياس وأياس ومينيلاوس:
»أياسان!
وانت مينيلاوس!
دعوا باتروكلوس
ليحميه
الأرغاف، وهبّوا للنجدة اذ ينقض علينا
هكتور
واينياس
عظيما الطرواديين - تعالوا
أو
فالقدر المحتوم - ولكن مهما يقسمه الأرباب
فسوف اطاعن عن خيل سليل اياكوس«.
بهذا راز الرمح وأرسل: تأتي الرمية في
درع أريتوس،
ولكن لم يحم أريتوسَ الدرعُ وغاص الرمح لعمق الأحشاء:
كما
رجل معتدّ بالقوة يأتي بالفأس لينحر ثورا،
فيوجه
ضربته لمؤخرة الرأس، تماما بين
القرنين،
يجز
الاعصاب يجذ العظم فيهوي يترنح ذاك الثور،
كذا
يترنح شبه
الأرباب أريتوس، تخور قواه
فينهار
الى الترب.
وهكتور يرد بارسال الرمح
البراق الى أوتوميدون
ولكن يبصره أوتوميدون، يميل أماما كي ينشك الرمح
الى
الخلف ويهتزّ الى يطفئ قوته رب الحرب أريس.
وتستعر النار بقلب الاثنين
فينقضّان على بعضهما بالسيف
ولكن في اللحظة يقحم جبارا الحرب اياس واياس
الموقع
اذ سمعا صيحة أوتوميدونَ، فيخلي هكتور واينياس
وشبه الأرباب خروميوس
الساحة خشية بأس البطلين
-
تخلّوا عن أريتوس يداري الجرح القاتل فانقض
عليه
أوتوميدون مضاهي خطاف الأرواح أريس.
ويصرخ أوتوميدون يباهي بالفتكة:
»الآن
اخفف بعض اللوعة من فقد ابن منيتوس
وان
كان قتيلي لا يعدله في
المجد«.
بهذا استولى أوتوميدون على البز الدامي،
حمّله
مركبة الحرب وعاد
كما أسد يتبختر
أتخمه
الفَرسْ.
-------
بهذا عاد الطرفان الى
الحرب الشعواء على باتروكلوس،
وجاءت من مسكنها في العلياء أثينا لتؤجج قلب
الأرغاف
خضوعا لارادة زوس العارف بالكل - فقد عاد فعدّل خطته،
قرر نصر
الآخيين.
كما قوس غمام زاهٍ يعليه زوس نذيرا بالحرب او العاصفة
الهوجاء
تخيف القطعان وتوقف شغل الفلاحين - كذا هبطت
للأرض أثينا يغيشها الغيم القرمز
تستنهض جند الأرغاف.
أول من لاقت كان الاتريديّ المقدام
مينيلاوس،
وجاءته
تلحّ بصوت ووجه فينيكس:
»لا
مهرب من عارك مينيلاوس،
ولن ترفع رأسك
بعد
الآن اذا راح الرائع باتركلوس قتيلا تحت الأسوارِ،
طعاما
لكلاب الطرواديين - لذا اثبت في الموقع،
حرّض كل رفاق الحرب«.
ويجيب
مينيلاوس عظيم الصيحة:
»شيخي
فينيكس جليلَ القدر - الا تسمعني
أتضرع
لابنة
زوس اثينا أن تأتي لتهبني القوة، تحميني من زخّ
الأسلحة
القتّالة كي أحمي باتروكلوس؟
ولكن
هيهات، فزوس اليوم يناصر
هكتور،
يحيل
ابن برايام سعيرا وهّاجا بالابرونز
يحاصد
جند
الآخيين«.
أثينا الباهرة العين ارتاحت للقول، فقد صلّى
مينيلاوس
لها دون
الآلهة الأخرى - ولذا
وهبته
القوة، أيضا اعطته عنادا مثل بعوضٍ
يشتاق
دم
الانسان، يلّح على العودةِ
مهما حاولت الطرد، كذا الهبت الربّة ُ
ذاك القلب
المكسور فعاد ليرسل للاعداء،
يحامي
باتروكلوس.
هنا أول قتلاه كان بوديس
فتى ايتيون، ثريّ مشهود الإقدام،
رفيع القدر لدى الطرواديين، نديم محبوب بمجالس
هكتور
-
ففي الأول يلمح بوديس القذفة، يخطو للخلف ليحرف عنها،
لكن اذ يتعثر
يجرفه الرمح فينقضّ عليه مينيلاوس ويسحبه
لصفوف الآخيين.
في اللحظة يأتي
الرب أبولو ليحرض هكتور، فيأخذ هيئة
فينوبْس
الأبيدوسيّ، أحبّ الأحلاف الى
هكتور، واذ يتقمصه
الربّ
يصيح به:
»من
سيهابك من جند الأرغاف؟ فانك
تخشى
الرماح الأضعف مينيلاوس - وها قد أردى الماجد
بوديس،
صديقك، من يستقتل
دوما في الصفّ الأول،
واستولى مينيلاوس على الجثة، سار بها لخطوط
الأرغافْ«.
اعصار الحزن الأسود يغشي هكتور فيمضي بالابرونز الباهر
نحو
مينيلاوس - ولكن فورا يتدخل زوس، يلوّح بالدرع الخالد،
يخفي أيدا الشامخ بالغيم
الأسود، يشعل فيه اعاصير البرق
ويُتبعها بالرعد الداوي:
بهذا يرجع زوس
ليعطي النصر الى الطرواديين
ويوحي بالمهرب للأرغاف.
أول من بدأ المهرب
كان بينيلوس البوتيّ، فقد كان كعادته
يستقتل في الصف الأول حين أتاه بوليميداس
الطروادي
وعاجله في الكتف - ولم يخرق رمح بوليميداس العظم
ولكن أسرع بينيلوس
الى المهرب.
ويأتي هكتور الى لايكوس ابن عظيم القلب الكتيرون
فيطعنه في
الكفّ - فتذهله الطعنة، تنهي قدرته
في
الحرب على الطرواديين - واذ يتراجع
يدهمه
هكتور
ليجهزَ، لولا ان في اللحظة يرسل ايدومينوس
الى هكتور ويطعنه في
للامة، لكن تنقصف الصعدة،
ينجو هكتور، فتعلو صيحات البهجة بين
الطرواديين.
ومن مركبة الحرب يرد ابن برايام على المعلمِ
ايدومينوس
بن
ديكاليون، فتنحرف الضربةُ،
تجرف
كوريانوس مرافق مريونيس، وقد صاحبه
من
لكتوس الحاضرة العصماء يقود له مركبة الحرب.
وكان ايدومينوس أتى يرجل من سفن
الأرغاف،
ولو
فاز به الطرواديون لكان الصيد الأفخم،
لكن
خلصه كوريانوس، ولو
بالثمن الأفدح:
إذ
خرقت طعنة هكتور الفك وغارت صعدا
تجتاح
الأسنان من
الجذر، تشق لسان
مرافق
مريونيس فتفلت منه الأرسان
وتدوي
سقطته في
الأرض.
واذ مريونيس يميل ليختطف الأرسان يصيح
بايدومينوس
الراجل:
»هيّا،
قدْ خيلي! عجّل بالسوط لنرجع للسفن السود
لأنك تعلم أن لا
نصر اليوم لجند الآخيين«.
كذا قولة مريونيس، وفورا يقفز ايدومينوس
يسوط
الخيل الشقر فقد دبّ الخوف اليه الخوف
كما دب الى مريونيس.
كذلك يشعر
بالخوف عظيم القلب أياس،
وأيضا مينيلاوس، فقد عرفا ميل أبي الأرباب
الى
الطرواديينْ.
ويفتتح القول أياس بن تيلامون:
»حتى
الأحمق يعرف
ورطتنا: زوس يناصر
جند الطرواديين، فلا رمية منهم إلا وتصيب،
يوجهها زوس،
جبانا أم مقداما كان الرامي،
أما نحن فتفشل كل الرميات - لذا لا حلّ
لمأزقنا
غير السير بباتروكلوس إلى سفن الأرغاف
لأن لن نوقف هذا اليوم سعار
الحرب بقلب
الفاتك هكتور.
لكن لا نعرف أن اخيل تلقىّ النبأ
الفاجع،
موت
رفيق الحرب الأغلى طرّا باتروكلوس
-
لذا
لا بدّ من الإبلاغ
ولكن كيف وهذا
الغيم
الأسود يغمرنا يعمي كل الجند،
الخيل«.
هنا
يتوقف جبار الحرب أياس
وينظر للعلياء
ينادي بالصوت الداوي:
»زوس
أبا
الكل، أبانا! نعرف انك قررت لنا الموت
ونرضى، لكن نستعطف: لا تقتل أبناءك في
الظلمة
بل في وهج الشمس«.
كذا بالدمع الهامي يستعطف جبار الحرب
أياس،
ويسمعه ويرق له زوس، يريل ظلام السهل
ليغمر نور الشمس لكل، يروا بعضهم
البعض.
ويعود أياس إلى القول، يخاطب مينيلاوس:
»مينيلاوس
ربيب
الخلّد، لو تبحث عن انتيلوخوس،
فإن حيا كان ليسرع نحو أخيل ليبلغه النبأ
الفاجع،
موت رفيق الحرب الأغلى باتروكلوس، بهذا يشعل
نار الثأر بقلب
أخيل«.
كذا قال أياس وفورا وافقه، لكن عن مضض، مينيلاوس،
فقد خاف الكارثة
العظمى تنزل بالأرغاف فيرتدّون
عن الجثمان ليستولى الطرواديون على الغنم
الأعظم:
باتروكلوس:
تصور أسدا يتضور جوعا يتسلل للقطعان
فيمنعه
القريون طوال الليل: رماح مشرعة
وكلاب
تتصدى، يلقون عليه شعل النار
فيرتعب
الليث ولكن يرغمه الجوع، يطاول
حتى يدهمه الفجر فنيسلّ بعيدا - هذا
كان
مينيلاوس
الأشقر إذ غادر جثة باتروكلوس
-
ودار الى الأبطال
وصاح:
»سميّان!
وأيضا مريونيس وقادة جند الأرغاف:
علينا
ان نتذكر، فردا
فردا، لطف ابن منيتوس المسكين،
ترفّقه
بالكل، ويا للوعة قد غيبه
الموتْ«.
بهذا يتركهم، لكن محترسا ينظر للبعد - كما نسرٌ
بالنظر الحادّ
يفوق جميع الطير يحوم في العلياء،
وإذ
يبصر بالأرنب يعدو خطافا ينفضّ عليه
ويبدأ
بالتمزيق، كذا كان مينيلاوس عظيم الصيحة
اذ يبحث عن انتيلوخوس
-
اخيرا يبصره
في
ميسرة الجيش يواصل تحريض لآخيين
-
فيسرع
نحو فتى نستور يصيح
به:
»انتيلوخوس
ربيب الخلّد! كم اتمنى لو اكْذبك الأنباء
-
ولا اتحدث
عمّا تعرف: إن زوس اختار لنا هذي االدهياء
وقرر نصر الطرواديين - لكن هاك الأدهى
إذ جزروا
باتروكلوس، ويا للرزء فقد كان الأعظم بين الأرغاف.
لذا عجّل نحو
أخيل ليأتي ينقذ جثته، يسترجعها للمرفأ
اذ سلب العدة هكتور ووحومات الموت تدور
الآن
على الجسد العاري«.
وتخرس انتيلوخوس الصدمة، يشرق بالدمع ولكن
يمضي
لينّفذ، يعطي عدته للمعلم لاوكوس يقود له مركب الحرب،
ويعدو منتحبا عبر
صفوف الأرغاف.
وما ان يذهب ينوي مينيلاوس العودة كي يحمي
باتروكلوس،
فيترك جند الفوسيين، رفاق القائد انتيلوخوس، وقد اقلقهم
سحب
القائد رغم تزايد ضغط الأعداء - ولكن يُبقي
للدعم
شبيه الأرباب
ثراسيميديس.
وما أن يصل الموقع يمضي فورا للبطلين:
»سميّان!
انتيلوخوس الآن يسارع للمرفأ
كي يبلغ نسل أياكوس النبأ الفاحع
-
لكن
لا
أدري ان كان اخيل سيأتي للنجدة
مهما اشتد به الحقد على هكتور،
فكيف
يقاتل
دون العدة؟ والأفضل
أن
نمضي بابن منيتوس الى السفن السود،
نغادر
هذي الساحة
حيث يصم الآذان
هدير
الطرواديين، نذير الموت«.
،ويجيب أياس بن
تيلامون:
»أصبت
مينيلاوس الرائع! هيا انت ومريونيس
لحمل
الجثة فيما
نتصدى، نحن أياس وأياس،
لحشد
الطرواديين يسير بهم هكتور شبيه الأرباب.
ألم
نتصدی دوما، فخرا بالاسم الواحد والقلب الواحد،
حتى في وجه أريس المرعب، رب
الحرب؟«.
كلاب الصيد يسير بها الصيادون الى خنزير البرّ
فتنقض
عليه
متلهفة للتمزيق، ولكن حين يدور اليهم
معتزا
بالقوة ينتثرون سراعا - هذي كانت
هجمات
الطرواديين:
قتال ضار بالسيف وبالرمح المزدوج الحدّ
إلى
أن يتصدى
البطلان فتمتقع الأوجه، يرتدون سراعا
عن جثة باتروكلوس.
وفيما يرزح
مينيلاوس ومريونيس وصحبمها
تحت
الجثة يشتد سعار الحومات - كما بلد
معمور
تفجأه
النار وتذكيها الريح فتسري تتصاعد،
تجتاح
العمران، كذا يتواصل
حول الأرغاف زعيق الرماحين
صهيل
الخيل دوي العجلات، ولكن يمضون: بغال
صبّارة
تبذل اقصى الجهد لتنزل عبر ممّر وعر بالعبء
(حمولة
اخشاب أو صاريّ
سفين) هذا كان عناء الآخيين
على
الدرب إلى السفن السود، يحاميهم جبارا
الحرب
أياس
وأياس.
كما سور من خشب صلب مدعوم بالصخر
يصدّ
عن السهل
الطوفان، ويصمد مهما يتعاظم،
يقسو التيار كذا كانت وقفة نسل تيلامون ونسل
اويليوس.
مع ذلك لم يتراجع ضغط الطرواديين يقودهم
الرائع
هكتور واينياس
فتى انجيزيس
-
وتقسوا الهجمات إلى
أن
ينهار نظام الأرغاف:
كما
سرب عصافير
يتصايح رعبا إذ ينقض
عليه الصقر ويعمل فيه القتل، كذا يتصايح
فتيان
الأرغاف
ويلقون بأكوام
الأسلحة
الفتاكة
في الساحة، ينسون غرامهم بالحرب
-
لكن
لا وقفة للحرب.
انتهى الكتاب ١٧
|