|
|||||||
الوريث
قراءة في شعر عزيز السماوي
عبدالكريم كاصد
أكان يدور في خلد الشاعر القديم الذي رثى أور وبابل أن أحفاده من الشعراء سيرثون أور وبابل ثانية، بعد ألوف من السنوات؟ أقدرٌ هو أم مصادفة؟ لعنةٌ أم إرادة بشر؟ وحين ينأى الشاعر ولا تتراءى مدنه إلا أشباحاً أو آثارَ مدن فمن ترى سيرثه؟ أأشعاره التي لا يقرأها أحفاده، وهذا أفجع ما ينتظر الشاعر من قدر آخر لا من صنع آلهة، بل من صنع أناس شاءوا أن يكتبوا أقدار الشعراء والمدن؟ ولعلنا لا نتخيل أبداً ولا نريد أن نتخيل أبداً أن أحفاداً لنا شعراء سيقفون باكين على آثار مدننا، لأن مثل هذا التخيل هو ضدّ القدر نفسه؟ مثلما هو ضد إرادة البشر؟ تماماً كما كان يتصور شاعرنا القديم الذي أضاء بحكمته ما أطفأ عينيه. لقد دخل الوريث منفاه كأسلافه وكأنه قادم للتو من حروب سومر وبابل، منهكاً بعصاه ولحيته البيضاء، فلا أثر لمنفى في شعره، ولو بحثت عن أثر للمنفى في شعره فلن تجده أبداً، وبالفعل لم أجد للمنفى أثراً في شعر عزيز السماويّ. أما من أثرٍ لمكان آخر؟ أما من أثرٍ لزمان آخر؟ أيستعيد الشاعر الوطن ليمحو المنفى؟ أم يمحو المنفى ليستعيد الوطن؟ وأعجب كيف تكون اللغة عائقاً وهي التي اتسعت للاثنين. الوطن والمنفى. قد تتبادل اللغات الأدوار فتحل لغة محل أخرى. فلا تفقد إلا شيئاً يسيراً من خصوصيتها، ولكن كيف يمكن أن نبادل لهجة عراقية صرفاً بلغة هي نقيضها. أراد عزيز وريث الشاعر السومريّ، أو أرادوا له، أن يكون منفياً، فارتد إلى وطنه، وشاعرا حاضراً فارتد إلى ماضيه، وشاعراً فصيحاً فارتد إلى لهجته، وهو في ذلك لا يتردد في عملية معكوسة من الاستفادة من الأشكال المعاصرة لاستخدامها في شعره الشعبي، بل هو لا يتردد في جرأة نادرة من استعارة أعقد الأحاسيس في توظيفها في الشعر بلغته المحكية، فإذا قال مالاراميه:
إن الجسد لحزين وقد قرأت جميع الكتب
فإن عزيز يجترح القول:
مجنون هذا الجسم
وإذا قال بودلير: كوني عاقلةً يا آلامي
فإن عزيز يستعير البيت محولا إياه إلى خبرٍ مقرون بحكمة شعبية أليفة:
دورات الحزن عاقل
وإذا قال أدونيس:
لو أنّني أعرف أن أدجّن الغرابة سوّيت كل حجر سحابه
فإن عزيز يتمثل الصياغة فيقول:
أكدر أسوي الجسر دنبوس
بل إن بيتاً للشاعر السوري فايز خضّور ظل يردده عزيز أمامي معجباً: "يا عجينيّ الخواصر يا حبيبي." ولم يهدأ باله إلا بعدما أنعكس صداه بعيدا في بيته الشعري هذا:
يلين الحزن بجفوني وخصرها يلين
وهو في تمثّله هذا الذي يبدو تثاقفاً من شاعر شعبي لم يكن بعيداً عن هاجسه الخاص وتجربته الشعرية الحياتية، فعزيز كما ذكرني أحد أصدقائه الحميمين في أثناء استعادتنا بيته الشهير "أكدر أسوي الجسر دنبوس" كان يعمل مهندسا للطرق والجسور، وفي ذلك مفارقة رهيبة بين تجربة الشاعر الحياتية، وحلمه في التغيير ولعل في هذه المفارقة تماماً تكمن التجربة الشعرية. إن عزيز لا يأتي من وراء سياج للشعر أو من خلف مقصورة أو باب بل يجيء كالعدّاء القادم من مسافات بعيدة ملء روحه وكأن العالم أقفر من كل شيء إلا الشعر. وحين يريد أن يسمع كلماته فلا ينطقها بل يخلقها وكأنه ينفخ فيها من روحه ليحيلها إلى مخلوقات سوية، وهذا ما عجّل من أجله. كان يتهيأ كالمجنون أياما بل أسابيع قبل أن يبدأ أية أمسية له وكأن قيامة ستحدث، أو حادثة ستقوم حتى ينهك جسده الضعيف المنهك في الأصل. أذكر حين سمعته أول مرة، أصابتني الدهشة: لماذا يرهق الشاعر نفسه وبدنه إلى هذا الحد؟ أليس من طريقة أخرى للألفة مع الكلمات؟ إن عزيز لا يقرأ شعره إن لم تكن روحه دقّت كدبّوس قاتل.. دبوس مسموم بل إنني لا أصدق أن عزيز السماوي يرى بعينيه من يسمعونه حين يقرأ وكأنه صوفيّ غائب. لقد أزاح الشعر كل شيء، وحلّ ضيفاً وحيداً في مضيف الشاعر، فلم يعد للشاعر دليل إلا الشعر، دليل إلى الحياة لا العكس، وهذا ما أدخله في مفارقات وصعوبات جمة من الصعب فهمها لدى الآخرين الذين يرون في الشعر مخلوقا شاذاً غير سوي لا يرى غير ذاته مضخمة في مرآة. أتذكر مرة في مقهى في البصرة تقدم شخص من عزيز وحيّاه فارتبك عزيز ارتباك الشاعر الذي لا يعرف جمهوره، لا ارتباك الخائف، وحين سأله "تتذكرني أستاذ؟" بدأ عزيز وكأنه يستعيد إحدى أمسياته الصاخبة المليئة بالمعجبين من محبي شعره أيام كان نجماً يتحلق من حوله المعجبون، ظَنَّ أنه واحداً منهم، ولكن ما أشد خيبة عزيز حين علم أن الشخص لا يعرفه بصفته شاعراً، بل مهندسا للطرق والجسور، التقاه مرة في مكان ما. لا أنسى، أيضاً تلك الليلة في أحد بارات البصرة حين قرأ عزيز، وقد فرغ البار من رواده، بعضا من شعره، لقد فاجأنا جميعا نحن أصدقاءه، بعلوّ نبرته التي لا يتسع لها إلا مكان شاسع: ملعب أو صحراء، حتى أن أحد أصدقائه الذي لم يعتد إنشاده غصّ بشيء مكتوم، لكنه سرعان ما استدرك الأمر بتظاهره بالجد، بأقصى الجد في موقف لا يتسع أبدا للهامش، أما عمال البار فقد تحلقوا حولنا من بعيد واجمين وكأنهم يشهدون حدثاً لم يروا مثله من قبل. يكاد الشعر أن يكون لدى عزيز غاية بل مصيراً إغريقياً لا يتردد حتى بالتضحية بنفسه على محرابه في زمن لا يقدّر التضحية حتى من أجل ما هو أسمى من الشعر، وإذا كان الشعر لدى بعض الشعراء يعكس بطولة فأن البطولة لدى عزيز يستمدها من شعره، إنه الموقف الذي تتحدد انطلاقاً منه كل المواقف الأخرى. لعل هذا الانتماء الأقصى للشعر هو ما يجعله يفارق شخصه الأنيس السيد في الجلسات ليجعله ذلك الطفل الصاغر لمشيئة الشعر ويا لها من مشيئة لا تجرّ لصاحبها إلا الهلاك، في زمن لم يعد للشعر من مكانة حتى في الذاكرة ولا للشعراء، وإن توهموا، من مكان إلا مهرجانات لا يذكرها أحد. وفي الوقت الذي كان الشعر، في أغلبه، ينحدر بالبطولة إلى مستوى الإنسان، كان عزيز يرفعها إلى مستوى الآلهة، وكلما ارتفع عزيز بالبطولة في شعره إلى مستوى الآلهة كلما نأى شعره عن التفضيل وأضحى احتداماً لا يتمهل واقعاً ولا تفضيلا، بل صخباً من سيوف، وخيول، يحاول أن يأسر في الكلمة أو الجملة أو المقطع ما يعجز الشعر عن أسره أو تجسيده، لذلك فإنه سرعان ما ينحدر إلى الأرض متعباً وقد أنهكه صعوده المتواصل إلى الفضاء، فضاء البطولة التي اكتملت بفراغها المطلق، وهو إن أعادها إلى الحياة فإنه لا يعيدها شخوصاً حتى ولا أشباحاً بل آلهة تستدعي الضراعة والصلاة:
أخاف أخاف أخافن حتى من روحي أنه بليّاك سيف ايعارج بروحه أنه بليّاك أركص يركص خيالي لهب عالكاع
غير أن هذا اللهب سرعان ما ينطفئ:
أكعد يشهك خيالي عليه ابساع وسولف للظلام هناك يلمع للحجي ويموع أذبّن روحي فد خطوه أسولف للظلام يموع وأجيك آنه بدرب مظلم.. كل خطوه لحجينه تموع
ومثلما تنطفئ البطولة وتشتعل في شعرعزيز نرى أن ذلك الانطفاء والاشتعال هما قاسم موضوعاته المشترك. لنصغ إلى هذه الأبيات المتوهجة:
يمّه اكعد ابني اكعد يجه احصانك خمس مرات والستّه مضيفك وجّ
ولكن ما يتبع هذه الأبيات المتوهجة، إن لم يكن الرماد رماد الاستطراد والتكرار، فهو الوهج الخافت:
انت السيف ويموت الضوه يمك دمك سال ولك فوك الثلج دمّك يمّه اكعد يمّه اكعد احشّم كل بنات الناس تهلهل للضوه اليلمض نموّع الثلج بالدبجات يسيّر للصبح أنهار
ويرجع ذلك إلى اكتفاء مقاطع عزيز المضيئة وأبياته المفردة بنفسها، بعزلتها داخل القصيدة فهي لا تضئ إلا نفسها وكأنها تتجمع على ذاتها كبؤرة في ظلام القصيدة التي لا يبين فيها غير ضوء هذه المقاطع والأبيات وما يتردد من أصوات بعيدة لخيول تصهل وسيوف تصلّ ورماح تتكسر لا نراها، خذوا مثلا هذا التجسيد المذهل:
أخاف الراس نسر يصير يطك جنح بجنح وايطير
ثم هذه الألفاظ لا تشي بغير أصواتها:
جرّ النفس سيف وجرح آنه العطش كلبي ملح غمّض ولك بالحلم مشحوفك صبح
في هذا العالم المركب من الضوء والظلمة، من البطولات والموت، لا مكان للبساطة أو الفرح وإن لمحناهما فهما مثال نادر:
وضلوعي هزهزها البرد حسبات تاخذني وترد نام النجم نام سهيل والشوك راح إويه السيل والخيبه تعصر بالكلُب وك يا كَلُب غفله الدموع تموت برموش الجفن ما ندري تالي الشوك بس ذلّه وحزن
بل إن قصيدة مغناة موضوعها الفرح لا يرد الفرح إلا في بيتها الأول لتتحول إلى قصيدة حزن:
خطّار عدنه الفرح أعلك صواني شموع خافن يمرّ بالعجد رشّ العجد بدموع يا كلبي وين الحزن.. حدر الحدر مدفوع دومك تون ونّتك تبجي بدمع مفجوع طيفك أمل جذاب فوك السمه مرفوع بالك تصيح بحزن صوت الحزن مسموع خطّار عدنه الفرح أعلك صواني شموع
هذا الالتباس أهو وليد الشاعر المتلبس؟ أم هو وليد نظرته الشعرية التي يغلب عليها الطابع التراجيدي المحتدم حيث الذات لا تشهد غير تبددها، والموضوع غير انتشاره؟ وقد يكون وليد الاثنين معاً. ثمة عبارة، أظنها لتوماس هاردي يقول فيها: "إن الحياة ملهاة للذي يتأملها، ومأساة للذي يعانيها." فهل كان عزيز سيد الجلسات والصاحب الأنيس يرى الحياة ملهاة في حياته، ومأساة في شعره؟ وهذه معادلة مقلوبة حقاً لشاعر لازمه المرض طويلاً؟ لماذا ازدوجت نظرة الشاعر؟ أيرجع ذلك إلى هامشية الشاعر في المنفى؟ أيرجع ذلك إلى ما كان يعانيه من استلاب في حياته اليومية؟ وإذا كان الشاعر قادراً على قهر الهامش في حياته اليومية، وتصعيد الاستلاب الملازم له، في لعبة ذكية ساخرة، فأنّى له هذه القدرة في الشعر الذي لا يسمح لهامش أو لعبة غير لعبة الشعر نفسها، خاصة لشاعر جاد، صارم في شعره كعزيز السماوي. في الحياة يمكن للشاعر أن يمارس عقله، مثلما يقول عزيز نفسه "دورات الحزن عاقل " فيرضي نفسه والناس، ولكن أنى له هذا التفكير أو هذا العقل في الشعر الذي فاض بوجدانه واقتصر على ذاته دون الناس وإن احتواهم، فكأنهم صورته ينطقهم صوته، وفي ذلك إشكالية أخرى هي: كيف يخلص شاعر لشعره وذاته والناس في آن واحد؟ قد تتعدد الإجابات ولكن ما يمكن تأكيده هو أنه كلما التبس الموضوع لدى عزيز التبس الإحساس، من جهة أخرى، أيقرأ شعراً شعبياً حقاً؟ :
الكتب تكبر بالعذاب الكتب تحمرّ بالعذاب أهد روحي حمام.. ايطير بالكمره عذاب واجيج من الكتب فارس عرف حزنه المشي والخطوة ذبّة سيف، لو يكطع درب ميّت ولج بيدي رمح خيّال ما خوّف كلُب ميّت تدرين العرك مني غسل راس الرمح
ألا يمكن أن نقرأ هذه الأبيات بطريقة أخرى؟ بصفتها أبياتا فصيحة لا في مشاعرها المعقدة فحسب وإنما بألفاظها أيضاً، وإن فقدنا جوهر الشعر المتمثل في صوته الخاص وروحه التي تشيع في ألفاظه الشعبية، لعل في هذه الروح يكمن جوهر شعر السماوي، وتلك السمة التي لن تفارقه أبداً مهما تفننا في القراءات والتأويلات، ألا وهي سمة الشاعر الشعبي.
الكتب تكبر بالعذاب الكتب تحمرّ بالعذاب حماماً أطلق روحي يطير في القمريّة عذاباً وأجيء من الكتب فارساً عرف حزنه المشي والخطوة سيف لو يقطع درب الميت بيدي رمح خيّال ما خوّف قلب ميت تدرين العرق مني غسل رأس الرمح
هذه المراوحة بين الاشتعال والانطفاء بين أسر الكلمات والانعتاق من أسرها استحالت، في شعره الأخير، إلى وقوف طللي نادب يعمه السواد ولا ندرك من موضوعه غير ألفاظه التي أسرت الشاعر بدلا من أن يأسرها، وعبثت به بعد أن قهرته البطولة عندما استحالت جبروتاً مطلقاً في زمن انحسارها، فكاد يخلو شعره من الحدث الحياتي، وإذا كان ثمة حدث ما فما هو إلا إشارة خفيت، مما يثير لدينا تساؤلاً هو: كيف يخلو شعر من الأحداث الحياتية ويبقى معبراً عن شاعره؟ أيكفي الأسلوب وحده، دون تلك المادة الحياتية التي هي جوهر الشعر. لقد اختفت الكوميديا من حياة الشاعر، لتحل التراجيديا وقد استحوذت على كل شئ، حتى على الحدث الحياتي، لتصبح صوتا صرفاً.. نواحاً إن شئت صار هو ومضمونه شيئاً واحداً:
صهيل يوج حنين الخيل بالظلمة وطن إو صهيل الياخذ إجفوفي أغاني الريح بالكمره وطن إو صهيل إيوج قميصك، شوف لعيوني وطن أنت الوطن كل الجروح استاحشن وطن وطن دخّن دم بصابيعي وطن مهر مجنون ياخذ كل إصابيعي وطن رياح الموت.. تاخذ كل حلم بيك امتحن
في ديوانه الأخير "النهر الأعمى" فقدت الألفاظ ثقلها وبدأت تطوف في رأس الشاعر خفيفة مثل أخيلة لا تمسك، فافتقدنا مقاطعه المتوهجة وأبياته المفردة في أعماله السابقة:
صحراوي هذا العطش يحلم بالنهر جفين يرف لون الخصر كبل اللمس جنحين خطف.. ياخذ حنين الروح عليج من العطش نهرين إصابيعج أغاني الناي تتلون غنج واسرار
حتى في قصيدة مثل "جبل الأحلام" عن حلبجه لا نرى حلبجة حدثاً، بل إحساساً متفجراً من الغضب يستدعي سومر وآشور وجلجامش، ولا يشير إلى حلبجه إلا كونها جبلا يعبده: "أعبدك يا جبل بس كون إلك أنصار" لكن لا يعني هذا أن مقاطع وأبياتاً تفاجئنا بوهجها هنا وهناك مثل حباحب في ليل شعره:
ما تدري الضمير كتاب إو ما تدري الزمن زاد التجافي وترس كاس الموده تراب
أو هذا المقطع الجميل:
أوف خوفي دوخني عليك خوفي لا منّك عليك خوفي نتمشّى العصر خوفي كاغد عالجمر خوفي وين إبعيد بعيونك سكر خوفي طول اليشمر الكذله مهر خوفي ياخذني الفرح هالة حزن ما بين إيديك خوفي هذا الشيب من يلمض نهار أزرك يديك خوفي كل الناس تنشدني عليك خوفي شاعر بين بديك
هل أسرت الألفاظ الشاعر؟ هل أسرها؟ أكان الأمر لعبة أم دراما؟ أم كان الاثنين معاً؟ كل ذلك يمكن أن يكون موضوعاً للبحث، وقد يجد الباحث في شعر عزيز ما يدل على ذلك، لم يعد الشاعر في مرحلته اللندنية، يعنيه ما يكتبه بقدر ما يعنيه مواصلة الكتابة، نجح أم أخفق اشتعل أم انطفأ، أسرته الكلمات أم أسرها، فما يهمه هو هويته التي تعلن عنها لفظة: شاعر، وكأنه محكوم بهذه الهوية. من دونها يصبح هامشاً أو أقل من الهامش. هل هو شعور واهم أم حقيقي؟ لا تهمّ الإجابة بقدر ما يهم الشعور نفسه دليل وجود الشاعر في هذا العالم المضطرب حيث العزلة اكتملت. كنت في طريقي أسير إلى بيت عزيز، لتعزية عائلته فالتقيت صدفة بصديق لي هو الشاعر الإنكليزي ديفيد كرت فسألني: "ما لذي جاء بك إلى هذا المكان؟" قلت له توفي صديق من أعز أصدقائي وهو شاعر شعبي كان يسكن هنا فقهقه ساخراً بمرارة: "أشاعر شعبي وفي لندن؟" أ كان عزيز رهين منفيين؟ المكان واللغة؟.
طائر الشعر
أبداً ما رأيتك تدخل بيتاً ولا حانة إلا وكان طائر الشعر على كتفك مثل قرصان قادمٍ من البحار الطرقات تتقافز بين يديه والأهازيج تندفع إليه ماذا تفعل بعد الآن؟ لا بيتَ ولا طائر لا حانة ولا ندمان حتى ولا صحبة في الطريق إلى القبر يا عزيز السماويّ؟
* من كتاب: (متنٌ أم هامش؟) المعدّ للطبع
|
|
||||||
|