|
|||||||
أول شاعرة للبلاط الملكي
فيء ناصـــــر
أنهت كارول آن دوفي سيطرة الشعراء الرجال على منصب" شاعر البلاط الملكي" في بريطانيا، والتي استمرت نحو 400 سنة، منذ شاعر البلاط الملكي الاول (جون ديرن) عام 1668، في عهد الملك تشارلس الثاني، حتى (أندرو موشن) 2009 ، بعد ان تم انتخابها كأول انثى تشغل منصب شاعر البلاط الملكي، المكلف رسمياً من قبل ملكة بريطانيا بتوثيق مناسبات البلاط الملكي شعرياً، وتوجيه انتباه الجمهور الى المواضيع والمناسبات الوطنية . الإعلان الرسمي جاء من قبل اندي برنهام وزير الدولة لشؤون الثقافة، في مستهل شهر آيار الجاري. الشاعرة أيضاً أول اسكتلندية، أول أم، وأول مثلية صريحة تحمل اللقب. وقد صرّح رئيس الوزراء البريطاني (كوردن براون) معقبا على منحها اللقب، بأنها شاعرة باهرة، وبارعة في اقتناص اللحظات العاطفية، والخبرات البشرية وتحويلها الى قصائد. وستشغل الشاعرة هذا المنصب لمدة عشر سنوات فقط، مع مبلغ سنوي مقداره 6000 استرليني تقريباً، ستتبرع به لصالح مجّمع الشعر لاستحداث جائزة سنوية جديدة للشعر. ولقرون خلت كان يُطلب من شعراء البلاط الملكي تأليف قصائد غنائية لتمجيد الملوك والملكات. وحين تقلد (وردز ورث) هذا المنصب عن عمر 73 عاماً، اشترط لقبوله عدم إرغامه على كتابة قصائد تمدح العائلة المالكة. وقد وافق رئيس الوزراء على شرطه آنذاك. وصرحت الشاعرة لراديو بي بي سي ( بأني لو دعيتُ إلى حفل زواج ملكي، وألهمتني المناسبة كتابةَ قصيدة جديدة فسأكون ممتنة، وإذا لم تلهمني هذه الدعوة اي شئ فلن أكتب أية قصيدة). شاعرة البلاط الملكي الاولى كارول آن دوفي كاتبة مسرحية أيضا، من مواليد ديسمبر 1955 في مدينة غلاسكو في إسكتلندا، درست الفلسفة في جامعة ليفربول، وهي محررة سابقة في مجلة الشعر، ومقدمة برامج إذاعية وتلفزيونية. إنتقلت من لندن الى مانشستر حيث تحاضر عن الشعر في جامعة مانشستر .أشكال الاغتراب المختلفة، الاضطهاد وعدم المساواة الاجتماعية، التمييز الجنسي، التفرد الشخصي وبناء الذات في زمن ثقافة القطيع المعاصرة هي ثيمات الشاعرة الاساسية، تعبر عنها بلغة بسيطة تقترب من لغة المحادثة اليومية، وتخلق من قصائدها نصوصا غير ملتبسة القصد. أسلوبها الشعري جاد وساخر في نفس الوقت، سهل القراءة ويمكن لأي إنسان أن يستمتع به، حتى أولئك الذين لا يقرأون الشعر عادة، ممتع وغير مُستَغلق، كلاسيكي لكن بتقنيات حادة كالشفرة . قصائدها عابثة ومؤذية،ممتزجة بروح الدعابة والتهتك ،يتزاوج في اسلوبها مابعد الحداثي ومابعد البنيوي مع السونيتة الشعرية التقليدية وهي تخلق توتراً ممتعاً بين الأسلوب والموضوع .والشاعرة بلا شك،من دعاة ما بعد الحداثة الشعرية آيدلوجياً وليس جماليا. إستخدامها للغة التداول اليومية يعكس تأثرها بـ (وردز ورث)، في حين يُعزى ميلُها إلى أسلوب الحوار في قصائدها إلى تأثرها بالشعراء براوننغ واليوت. النوستالجيا والسخرية الجافة تعكس تأثرها بفيليب لاركِن، ديلان توماس(عناصر من السوريالية)، جيل البيت The Beat الأمريكي وشعراء ليفربول الحداثويين.هذه الخلطة الانتقائية واضحة تماما في نصوص الشاعرة، مع ميل اوضح نحو السوريالية الحديثة ، وميل مبكر نحو الرومانسية . غالباً ما تعتمد كارول آن دوفي أسلوب المنولوجات الدرامية لاستكشاف الأصوات والهويات المختلفة في مواقف مختلفة. وهي تمتلك مهارة عالية في تشخيص وتوقيت منولوجاتها الشعرية، و حساسية مدهشة في مشاطرة الاخرين مشاعرهم، حين تلبس شخوص قصائدها وتعبر عنهم بكل مصداقية. منَلوجاتها تتميز أيضا بحدود أُنثوية قوية وحادة، وهذا يتجلى واضحاً في أُولى مجموعاتها الشعرية (وقوف الانثى عارية) الفائزة بجائزة المجلس الفني الاسكتلندي ، والتي تمثل إستجابات وردّات فعل الموديل / المرأة التي تقف عارية، لأوامر الرسام / الرجل الذي يرسمها .الشاعرة في هذه المجموعة، تمزج حس الفكاهة مع التبصرات الجادة للقضايا الاجتماعية. عام 1987 أصدرت كارول آن دوفي مجموعتها الثانية (بيع مانهاتن) التي فازت بجائزة سومرست موم. تتحدث في هذه المجموعة بأصوات البشر الممتعضين، وتنجح في الولوج الى عوالم هؤلاء المهزوزين والمهزومين، من قبل مجتمع لم يغفر لهم أخطاءهم . في مجموعتيها اللاحقتين (الوطن الآخر1990) و(وقت شحيح1993) تعيد الشاعرة أستنطاق آفاق الذكريات والحنين. قصائد هاتين المجموعتين تتولد من الهم العاطفي للشاعرة، لكنها في الوقت ذاته، لا تغفل الجوانب السياسية والاجتماعية والقضايا الفلسفية وهي تبدع بكتابتها لقصائد الحب المؤثرة والشجية والظريفة، المنبعثة من البحث عن الآخر والفقد والغربة والحنين، وتبحر بعيداً في إستكشاف الطبيعة المعقدة لهذا الشعور الإنساني، من ألم ومن نعيم في تزاوج جميل بين الذاتي والفلسفي.
ورغم وعيها بميولها الجنسية المثلية المبكر، لكن أصداراتها الاولى لم تكن تشير الى ذلك صراحةً، بل إن جنسانية الموضوع (الآخر) في قصائدها ظلت مبهمة تماماً، حتى صدور مجموعتها (وقت شحيح) التي فازت بجائزة الفورورد الشعرية البريطانية المرموقة، التي ميزت توجهها في كتابة قصائد صريحة عن الحب المثلي. ثم أعقبتها بمجموعة (إنجيل الانثى 2002). وكما هو واضح من العنوان، فإن هذه المجموعة تجعل القارئ يحتفل مع الأنثى في خبراتها الحياتية من ولادة وموت وأمومة وحيض وسن اليأس. الشاعرة استلهمت حكايات الجنيات التقليدية في مجموعتها هذه بجانبيها الخيّر والشرير/المشرق والمظلم. في المقطع التالي من قصيدتها (جامع النور)، والتي تقترب من سوريالية ساحرة لخبرة انجاب طفل: تهوين من نجمة الى حضني، الضوء الخفيف في جانب السرير يتمرأى فيك أنت تضيئين مثل فتاة الثلج، في حين يبتكر المقطع التالي من قصيدة (الموت والقمر) احتفالية تفجع لكل الذين رحلوا عن عالمنا: لا أعرف أين أنت. لا صلاة تصل إليك حتى لو أن القصائد صلوات . غير مرئي/ في الفضاء. حتى لو ان الارواح نجوم.
وأخيراً مجموعتها المتميزة (نشوة) 2005 والفائزة بجائزة ت .س أليوت، والتي يهيمن فيها صوت الانثى الخالص، عبر قصائد عاطفية شخصية مشحونة بنبرة رثاء، ومختلفة بشكل ملحوظ عن مجاميع الشاعرة السابقة. هذه المجموعة جميلة وغنية في كشفها العميق لخبايا المشاعر، مستلهمة من تجربة الشاعرة الشخصية بعلاقتها مع الشاعرة جاكي كي، من اللحظة الاولى للوقوع في الحب: (الوقوع في الحب/ هو الجحيم الفاتن)، الى لحظة النهاية الشعرية /العاطفية: ما الذي استطيعه [....] كي اساعدني، بلا تعويذة او صلاة، كي احتمل هذه الساعة، التي بلا نهاية، عديمة الرحمة، ساعة موت الحب الخفية؟ للشاعرة أيضا مجموعة شعرية للأطفال بعنوان (القبعة) عام 2007 . ولها عدة مسرحيات منها: (خذ زوجي) 1982. مغارة الأحلام 1984. نساء صغيرات، رجال كبار 1986 .
|
|
||||||
|