فوزي كريم 

Fawzi Karim

مسرّات الشرق القديم

الجمعة 6/4/2007

في موسوعة "الأدب الهندي"، التي صدرت عن Penguin عام 1971، يجد القارئ الجدي أكثر من جاذبية باتجاه النص الشعري والنثري القديم. النص الذي يرجع الى تاريخ ما قبل، وحول، وما بعد الميلاد بقليل. فهناك، شأن الأدب اليوناني، شعر غنائي، درامي وآخر ملحمي. وفي الحقول الثلاثة نقع على تيار ديني دفين. هذا التيار يمنح الشعر بعداً ميتافيزيقاً رحبا للتساؤل والتطلع الى الحقيقة.

واحدة من قصائد الملحمة "ماهابهراتا" (900-500 قبل الميلاد) الشهيرة تتحدث عن حكاية "سافيتري"، التي استعادت روح زوجها من قبضة الموت، بفعل قصائد الحب التي أنشدتها. تماما كما استعاد أورفيوس في الاسطورة اليونانية زوجته يوريديتشي. وكما أُحيطت الأخيرة برعاية الترجمات الشعرية العديدة الى الانكليزية، ورعاية الموسيقى الكلاسيكية، كذلك حدث مع الثانية. ولعل أجمل الترجمات الشعرية كانت، وظلت، تلك التي تمت على يد إدوين آرنولد (1883). على أن هناك أكثر من ترجمة شعرية ونثرية للنص الحكائي هذا. أما في الحقل الموسيقى فإن الأوبرا "سافيتري" ذات الفصل الواحد للإنكليزي هولست (1934) بقيت الأكثر شهرة حتى اليوم.

الذي لا يقل روعة في حقل القصيدة الغنائية، مجموعة القصائد التي كتبت في اللغة التاميلية (100 ق م -250 ميلادية)، تحت اسم "المختارات الثمانية والقصائد العشر الطوال". مقتطفات محدودة من هذه النصوص انتخبت في مختارات Penguin، التي أشرت اليها سابقاً، ولكن الإصدار الجديد عن دار :Oxford(Poems of Love and War) أشبع رغبتي في المتابعة، لأنه انطوى على نسبة كبيرة منها، مترجمة هذه المرة من بروفسور صرف حياته في دراسة وترجمة الأدب الهندي القديم هو أ.ك. رامانوجان (1929-1993). سبق لهذا الكتاب أن أصدرته جامعة كولمبيا عام 1985 ، ثم أعادته بتوسع دار أُكسفورد هذا العام.

وكما انتفعت القصائد ذات الهاجس الديني باتجاه التأمل الروحي، انتفعت هذه قصائد الحب باتجاه التأمل الحسي. وكلا الاتجاهين يتطلب مشاركة القارئ. لأن القصيدة، على تلقائيتها وبساطتها الظاهرة، تنزع الى الإشارات المواربة ذات التورية. لنأخذ واحدة من  قصائد الحب هذه:

ما الذي قالته

لصديقتها، عند عودتها من التلال

إصغي لي، أيتها الصديقة، بارك الله فيك.

أحلى من الحليب

المُحلّى بعسل حدائقنا

مياه أرضهِ الفائضة،

خفيضةً في الثقوب

مغَطّاة بورق الأشجار

وموحلةً بتطفّلِ الحيوان.

المتحدثة تبدأ بتمهيد مع صديقتها، ثم تستعيد من طفولتها شراب الحليب المحلى بعسل حدائق بيتها، منتقلة برشاقة الى مواقع مياه حبيبها الموحلة، مخاضة الحيوان، والأكثر طبيعية. ولا تخفي تفضيلها للثانية، وكأنها بإشارة شعرية غير مباشرة تتحدث عن خبرة بلوغها ونضج أنوثتها، فهي تجد في مخاضة المياه المغطاة بالأغصان إثارة فاتنة أعمق من حليب أهلها المحلى بالعسل. إنها تخلف وراءها النظام العائلي والتربية العائلية في حليبها وعسلها، لتشرب من مياه الطبيعة البرية، مع الحيوان. في نص صغير نبحر في أكثر من مادة للتأويل: حالتان، حديقتها وأرضه، تعكسان كائنين مختلفين. وتشفان عن طيّة خفية أخرى: فالمرأة المتحدثة مخاضة ماء، والرجلُ الحيوان الخائض بمسرة.

لنتأمل قصيدة ثانية في موضوعة الحب:

ما الذي قالته؟

أوسعُ من الأرض، يقيناً،

وأعلى من أعمدةِ السماء،

ومن الماءِ أكثرُ عمقاً

حبي هذا لهذا الرجل.

رجلُ المنحدراتِ الجبلية

حيث يهبُ النحلُ عسلَه الأشهى

من أزهارِ "ندى الفجر"

ذاتِ الأعذاقِ السود.

اتحاد الحبيبين لم يوصَف أو يُشار اليه داخل النص الشعري، ولكنه تمثل في مشهد مُدرج للنحل يصنع العسل من أزهار ندى الفجر. لم يكن العاشق سيّد الجبل فقط، ولكنه يشبه الجبل الذي يملك. ووصف المشهد ينطوي على وصف عواطف حبه. ولا نغفل الإشارات الموحية في النحل الذي يهب العسل، وفي الأعذاق السود، وفي بدء القصيدة بالتجريد (أوسع من الأرض، أعلى من السماء..)، وانتهائها بما هو عيني ملموس (نحل، أزهار، أعذاق سود..).

خصائص هذا الشعر القديم هي خصائص القصيدة الحديثة، بالتأكيد. القصيدة التي تُشرك القارئ في التأويل والاجتهاد، لا عبر الصورة (الجميلة) المكتفية بتأثير حروفها وكلماتها. لا باللغة مطوية كالقوقعة على ذاتها، أو عبر صور المخيلة المغامرة الاعتباطية، (الظاهرة الشائعة في الشعر الفرنسي منذ ملارميه، والتي تبنتها الطليعية الشعرية العربية بصورة مثيرة للرثاء!!).

إمكانات التأويل والاجتهاد في النص الشعري تعني ضرورة أن ينطوي هذا النص على مخيلة غنية بالخبرة الداخلية والوعي الداخلي والثقافة الداخلية. النصوص "التاميلية" خزين شعري لخبرة الثقافة الهندية قبل ألفي سنة. النص الشعري الحديث وليد خبرة ثقافة الشاعر الذي كتبه، لا وليد مخيلة عشوائية، أو مخيلة محكومة بشروط (النمط الحداثي)، في الجرأة والتجاوز، ودحر المألوف، والإدهاش. في أحيان كثيرة، تبدو هذه العناصر تُروس تستّرٍ لإخفاء الخبرة الشعرية الداخلية الواهية الفقيرة. واستجابة القارئ الطليعي لها هي استجابة فراغين لا أكثر. والكثير من النصوص التي تُكتب هذه الأيام، وكثير من القراءات النقدي لها، لا تخرج عن دائرة لقاء فراغين، عادة ما يُحدث ارتطامهما طنيناً لغوياُ، لفظياً، مشبعاً بالعبارات التجريدية، والمصطلحات المختلقة، والحذلقة البيانية.

في القسم الأول من الكتاب قرابة مئة قصيدة حب، تتوزع على المعالجات التالية: لقاءات المحبين، الانتظار المتطلع للقاء السري على الشاطئ، رحلة المحبين عبر البرية، الانتظار الصبور والغبطة بعد الزواج، خيانة المحبين بعد الزواج. وفي القسم الثاني الذي ينصرف الى الحرب هناك معالجات مختلفة في خمسة أبواب، تظم قرابة ثمانين قصيدة.

 

(نشرت في جريدة الرياض في 5/4/2007

يوميات

 

عن الإيمان بقوّةِ الحياة!

 

الجديةُ والإحاطةُ وما دونهما!

الاستدارة المذعورة، ولكن للمستقبل!

حفنة مسرات أوبرالية

قبلة فرانتشيسكا الدامية

تلك الورقة البائسة!

حكاية الفارس الأخضر

ستة مصابيح داخل دخان الحرائق

استحالةُ أن تحصل على كتابك المفضّل دون دليل؟

استعادة المنسيات

غجر بالاماس

 اعتماد الخبرة الداخلية في فن المقالة

رسالة الى "الشيوعي الأخير"

معنى الحوار بين القارئ والنص

في العتمة المضاءة من الداخل

بشارة الخوري

مسرّات الشرق القديم

 بي قارئ متحفز

شعراءالنهضة الاسبانية

شيمانوفسكي وغلاس

 

 

 

بورتريت    المؤلفات الشعرية     المؤلفات االنثرية     ترجمات     الموسيقى      الفن التشكيلي     حوارات     يوميات    اللحظة الشعرية    بريد الشاعر

English        French         Sweden       Poet's mail