فوزي كريم 

Fawzi Karim

من البرج العاجي

عن الإيمان بقوّةِ الحياة!

فوزي كريم

 

 

   هلْ الايمان بقوة الحياة يعني تفاؤلاً؟ وإذا لم يكنْ، فما التفاؤل؟

    قوةُ الحياة كامنة في جسد الإنسان، عقله، عزيمته وتطلّعه، وفي النزوع لحياة الجماعة. وهي كامنة في قوى الطبيعة. وفي النظام المذهل التناغم في الكون. كامنة في العلاقة المتبادلة بين هذه الأطراف. بغض النظر عن موقع الإنسان فيها: مركزاً للكون كما كان، أو طرفاً عارضاً فيه كما أصبح.

    ولكن داخل هذه القوة الكامنة، في الإنسان والطبيعة والكون ثمة دوافع غير راشدة، عادة ما تأخذ مسارين: خيّر وشرير. كلاهما نتاج غير مقصود لذاته، أو لغاية وراءه. دوافع كامنة عمياء.

   الإيمان بقوة الحياة إيمانٌ بهذه القوة غير الراشدة. إيمانٌ بمَساريْ الخير والشر اللذين تأخذهما. ولذا ما من مخرج مباشر فيها إلى التفاؤل وحده.

    كم تنازع هذان البطل جلجامش، حتى بلغ الحكمة! ولكنها حكمة ظلت داخل النص الخيالي، لا في الحياة الواقعية. في التاريخ القديم، الشرقي والغربي، كم تتّضحُ المفارقةُ مع الأيام بين نصوصه الخيالية ونصوص وثائقه الواقعية! في الشعر والأدب يبدو التاريخ بالغَ الإشراق. وفي الوثائق التي تصاحبها بالغَ البربرية والدموية.

    في الحضارة الغربية الحديثة، سيدة الإنجازات باتجاه الإنسان، أتأمل فيها الرغائب المحترقة لتدمير الإنسان أيضاً. أنا الذي عشت في ربوعها أكثر من ربع قرن. صرخة الاحتجاج ما أن تتجاوز طبقة الصوت الإنساني حتى أتبين فيها رغبة شريرة للتخريب. وما أكثر ما أنتبه لتجاوزات في الأصوات المحتجة!

    حين دخلتْ الدبابةُ الأمريكية العراق، كنت آمل أن تحطم الصرح الإسمنتي للسلطان العائلي العربي المتوارث. ولا بأس من أن تتمتع ببضعة مصالح يُتفق عليها. وهل إنجازٌ دون مصلحة؟! ولكنْ كيفَ يُعقد الأمل على دبابة؟ وبقيت آمل أن يقظةَ الناس المُنكّل بهم على حريتهم تُبطلُ فاعليةَ الدبابة، ويمسكون بقيادة قدرهم باتجاه الحياة. ولكن ما أيسر ما تبين لي أن الناس مغلوبون على أمرهم أمام قوة أخرى غير قوتهم، التي تُحسن تحيّن فرصة كهذه. فتشكّلت أحزابٌ على الفور، تحت مظلة الديمقراطية الأمريكية المغفّلة، تزعم تمثيل الناس داخل البرلمان، ولكن عبر العقيدة المتجهّمة. وفي المدن تفشّت ميليشياتها المسلحة ترفع شعارات البرلمانيين على فوّهات كاشيوكاتهم. والناس لا يملكون من كل ما حدث غير الأمل المتواضع بحياة سوية. على أنهم لم يتخلوا عن هاجس الجافل المرتاع. وببصيرة الذي خبر الألم، رأوا في المشهد الجوهرَ الذي لم يتغيّر. مسار الشر المتربّص بالإنسان الأعزل عبر تاريخه.

    الناس خبروا حقيقة أن الأحزاب هم "طليعة" لا لأحد. تمثل أعضاءها وحدهم. الحزب الديني يمثل أعضاءه من رجال الدين، لا ناس الطائفة. تماماُ كما مثل حزب البعث أعضاءه العروبويين لا الناس العرب. وكمْ أنهك الناسَ هذا التمثيل الإلزامي، واستلب عافيتهم وعافية الحياة حولهم؟ على أن القاعدة السابقة، غير الديمقراطية، لمسار الشر في التاريخ، كانت تمنح فرصة لحزب واحد يملك السلطة، ويملك تمثيل الناس الإلزامي. في ظل الديمقراطية المغفّلة قفزت كلُّ الأحزاب قفزة رجل واحد على مقاعد السلطة، ونشرت دون تأخير ميليشياتها المسلحة في الشوارع. صارت انحناءة الناس المذعورة تؤدى لأكثر من طرف. ولم تستطع الإفلات من ملاحقة هذه الأطراف حتى وراء جدرانها. وفي خلوة التصويت الإنتخابي تمنح صوتها تحت رقابة "الهويّة" الطائفية، مُستلبَة الإرادة.

    في وسائل الإعلام ترتفع أصواتُ المثقفين لا بحكم تمثيلهم الناس، بل بحكم تمثيلهم لقناعتهم اليقينية بفكرة أو موقف. أتبين ذلك بوضوح. ولذا لا تجد فيهم اختلاجة ذعر هامسة، أو لجوءاً  للصمت. بل اختلاجة غضب وشكوى عالية الصوت. عادة ما تبدو متجاوزة لطبقة الصوت الإنساني تلك.

    كانت الدكتاتورية تقتل باتجاه واحد. صار القتل الآن باتجاهات عدّة.

    الخلاص كان بيّن الهدف. صار الخلاص اليوم مُظلِّلاً.

    ولذا بدا إيماني بقوة الحياة لا شأن له بالتفاؤل.

    كان تفاؤل سقراط وليد المدينة الصغيرة المضاءة بحضارة فريدة. الأرضُ لم تُكتشف بعد لهذا الحد. اليوم نعرف حروب الحمقى في كل مكان. ونعرف إلى جوارها إرادة الطبيعة العمياء التي لا مرد لها. كلاهما يسحق الإنسان دون اعتبار لعدد، ودون رفّة جفن.

    سوءُ الحظ وحسنُه يبدوان لي اليوم مساران خالدان داخل الإنسان، التاريخ، الطبيعة والكون.

    صرت أكثر قرباً من أبي العلاء وأبي حيان التوحيدي. وأكثر تشبّثاً بتلابيب الموسيقى. لأن هذه الموسيقى التي أتشبّث بها عزاءً وسلواناً، إنما تُخفي وراء ابتسامتها عينين مبتلّتين بالدموع.

      

 

يوميات

 

عن الإيمان بقوّةِ الحياة!

 

الجديةُ والإحاطةُ وما دونهما!

الاستدارة المذعورة، ولكن للمستقبل!

حفنة مسرات أوبرالية

قبلة فرانتشيسكا الدامية

تلك الورقة البائسة!

حكاية الفارس الأخضر

ستة مصابيح داخل دخان الحرائق

استحالةُ أن تحصل على كتابك المفضّل دون دليل؟

استعادة المنسيات

غجر بالاماس

 اعتماد الخبرة الداخلية في فن المقالة

رسالة الى "الشيوعي الأخير"

معنى الحوار بين القارئ والنص

في العتمة المضاءة من الداخل

بشارة الخوري

مسرّات الشرق القديم

 بي قارئ متحفز

شعراءالنهضة الاسبانية

شيمانوفسكي وغلاس

 

 

 

بورتريت    المؤلفات الشعرية     المؤلفات االنثرية     ترجمات     الموسيقى      الفن التشكيلي     حوارات     يوميات    اللحظة الشعرية    بريد الشاعر

English        French         Sweden       Poet's mail