العراقي فوزي كريم يقدم الغذامي نموذجاً للوعي الثقافي
المترجم ... أهواء المثقف ومخاطر الفعل السياسي
الرياض -
مشعل العبدلي
في هذا الكتاب الصادر حديثاً عن دار
المدى الدمشقية بعنوان: «تهافت الستينيين: أهواء المثقف ومخاطر الفعل
السياسي»، يعود بنا الشاعر والناقد العراقي فوزي كريم بكثير من التفصيل
إلى مرحلة الستينات العراقية والعربية أو ما سمّاه «فورة الستينيين»
محللاً في ذاكرة وجوه تلك الفترة عراقياً وعربياً في بحثها عن التغيير
وأحلام النضال التي راودتها، مستعرضاً الآمال التي بنوها بصورهم
وأفكارهم الحيّة في الشعر والموسيقى والأدب، قبل أن تؤول بهم إلى
انهيارات كبرى يعيشونها اليوم، ومؤكداً في الوقت ذاته أن تلك الفورة
كانت محاكاة غربية صادقة العواطف، لكنها تهدف إلى فعل سياسي بالدرجة
الأولى.
يقول كريم: «إن النزعة الراديكالية لدى المثقفين باتجاه «اليوتوبيا»
كانت علامة فارقة للجيل الستيني في روسيا القرن التاسع عشر، ولقد
انتظرت مئة سنة، لكي تعاود الظهور لدى ستينيي الغرب في القرن العشرين،
ولا بأس أن تجد من يمثلها لدى ستينيي العالم الثالث، في محاكاة ألفناها
في حياتنا الثقافية طول القرن العشرين». وكريم في كتابه يتناول السؤال
بأدوات المقارنة مفككاً مصطلحات عدة، كل هذا في سياق الاقتراب من فهم
ما طرأ على حدود الثقافة بايدولوجيات السياسة.
وامتداداً لكتابه «ثياب الإمبراطور» يقدم الكاتب في كتابه عن «تهافت
الستينيين» وجوهاً معاصرة ة ليؤكد ظاهرة وجود هوة بين النص الشعري
وخبرة الشاعر، والتي يرى أنها استجابة غير صحية لنشاطات الغرب، فكما
بدت الجملة العصرية مترجمة والقصيدة مترجمة، جاء الوعي الثقافي والأدبي
مترجما هو الآخر، ويؤكد كريم أن ذلك جليّ جداً في كثير من الأصوات
الشعرية من خلال قصيدة النثر، وكما هو أيضاً في أصوات نقدية أخرى تحت
راية البنيوية والتفكيكية.
وفي فصول القسم الأول من الكتاب لا يتقيّد الكاتب ببحث خلفية هذا
التهافت لدى الستينيين كما يشير العنوان، والذي جاء فصلاً أول فيه، بل
نراه يقدم لنا فصلاً مستقلا عن «قصيدة النثر ودربة الأذن» مستعرضاً
تاريخ قصيدة النثر ومصطلحاتها وأبزر روادها، ثم ينتقل ليتحدث في فصل
طويل عن الموقف المترجم في ثقافتنا العربية النقدية، موجهاً من خلاله
نقداً قاسياً للناقد عبدالله الغذامي باعتباره نموذجاً للوعي الثقافي
المترجم، حين أعلن الغذامي في كتابه «النقد الثقافي» موت النقد
الأدبي. ويرى كريم أن الغذامي ينتسب إلى رؤية ما بعد حداثية، وان
مشروعه «النقد الثقافي» يرتكز على ذاكرة معرفية واصطلاحية هي في
حقيقتها ثمرة ثقافة أزمات حضارية غربية كبرى.
بينما يستعرض في القسم الثاني من الكتاب عيّنات من شعراء الضرورة
الداخلية، وشعراء التيار الغالب من خلال فصول عدة عن هادي العلوي وملاذ
المدينة الفاضلة والجواهري وسلطات القمع الثلاث والشاعر النجم الشاعر
المعلم حول محمود البريكان وشعر الضرورة الداخلية عند صلاح عبدالصبور،
إلى جانب تجربة زاهر الجيزاني الشعرية.
هذا الكتاب يكشف عن ثقافة واسعة يتمتع بها هذا الشاعر العراقي الذي
يقيم في لندن، ففضلاً عن لغته الأدبية ومفرداته الرشيقة شاعراً رقيقاً،
نجد كثيراً من الإحالات والهوامش إلى كثير من المراجع والمصادر العربية
والعالمية، إلى جانب الاقتباسات التي حواها الكتاب لنصوص شعراء المرحلة
أثناء تعرضه للظاهرة. ويطعّم كل هذا الرصد الثقافي بتجربته وانطباعاته
المباشرة، وتأملاته، ومشاهداته ليقدم كتاباً يستحق القراءة.
(الحياة -
11/07/06)
|
|