يوميّات نهاية الكابوس تأليف :فوزي كريم
21 Mar 2005 05:03:12 GMT
مؤلف هذا الكتاب هو الشاعر والناقد والمترجم العراقي فوزي كريم، الذي يقيم منذ نهاية السبعينات في العاصمة البريطانية لندن متفرغا للقراءة والكتابة. أصدر مجموعة من الدواوين الشعرية والنصوص النثرية وبعض الدراسات، فضلا عن مقالاته ومساهماته في الصحف والدوريات العربية
من دواوينه الشعرية: «حيث تبدأ الأشياء»، «أرفع يدي احتجاجا»، «جنون من حجر»، «عثرات الطائر»، «مكائد آدم»، «قارات الأوبئة»، «السنوات اللقيطة»، «آخر الغجر»...وغيرها.ومن أهم كتبه في مجال النقد والدراسة: «من الغربة حتى وعي الغربة»، «مدينة النحاس»، «ثياب الإمبراطور: الشعر ومرايا الحداثة الخادعة»، «الفضائل الموسيقية»، «العودة إلى كاردينيا»...وغيرها، كما أنجز بعض الترجمات من أبرزها ترجمة قصائد مختارة للشاعر سلفاتور كواسيمودو. في كتابه الجديد «يوميات نهاية الكابوس» الذي صدر مؤخرا عن دار المدى (دمشق ـ 2005) يدون فوزي كريم ما يشبه يوميات منفي يتأمل خطوات الزمن باتجاه نهاية الكابوس. يرصد التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلاده البعيدة العراق، فهو يطل على أحوال هذه البلاد من شرفة الأدب فيستحضر في نصه وجوها عراقية تركت بصمات لا تمحى في مسار الإبداع في هذا البلد من أمثال بدر شاكر السياب، والجواهري، والبياتي، ومحمود البريكان، وعبد الكريم كاصد، وحسين مردان وسواهم ممن سبقوا فوزي كريم في التعبير عن الحنين الذي يغلي بين جوارحهم توقا إلى وطن مشتهى لم يتواجد، قط، على خارطة.
وهنا يشير فوزي كريم إلى ملاحظة تستحق الوقوف عندها، فمن المعروف أن الشاعر يتغنى ببلاده وهو يعيش في أحضانها، غير أن الشاعر العراقي لم يفعل ذلك قط، فهو تغنى بهذه البلاد في أوطان أخرى، وعلى أرض غريبة، ففي قصائد الشعراء التي كتبت داخل العراق، داخل الرحم الطبيعي لميلاد القصيدة، لا تكاد تقع على ذلك الوجدان المحب الحار باتجاه الوطن،
على عكس قصائد الشعراء المصريين، مثلا، التي كتبت عن الوطن داخل الوطن. ويحاول فوزي كريم أن يبين، في هذا المقام، بان المنفى شكل ملاذا آمنا، ووطنا بديلا لعشرات الآلاف من العراقيين خلال العقود الأربعة الماضية وكان بينهم شعراء، وروائيون، وكتاب، ومسرحيون، وسينمائيون، وصحافيون، وفنانون. «هؤلاء جميعا هربوا من الموت والمهانة، وفضلوا حياة الكفاف واللايقين، في هذا المنفى الغامض، على الموت والمهانة الأكيدين. وتوهج مواهبهم وقدراتهم في فراغ هذا المنفى الموحش، هو ارفع مستويات الاحتجاج، وأسمى المعارضات ضد ظل الطاغية الذي يحيط بالوطن كله».
يتسم حديث الشاعر عن المنفى بذلك المذاق الموجع الذي تجرع مرارته فوزي كريم مع الكثيرين من مجايليه، وأقرانه في حقل الإبداع، وبحكم هذه المعايشة الطويلة مع المنفى نجد أن مقالاته حول هذا الموضوع تأتي صادقة، وعفوية، ومفعمة بنبض التجربة الحية التي تستحضر كل ما يتعلق بالوطن البعيد وصولا إلى تلك اللحظات التي شغلت فيها أزمة العراق العالم،
ففي الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2003 حشدت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا قواتها في المنطقة استعدادا للهجوم على قلعة الطاغية الحصينة، فيرى كريم نفسه متسمرا أمام شاشة التلفزيون مغلوبا على أمره، يرصد الأخبار لحظة بلحظة مترقبا ما سيحدث لبلده المتخيل، الجميل. تبدأ الحرب ويسقط الطاغية لتنتهي يوميات الكابوس، غير أن العراق الذي يعيش في خيال الشاعر لم يولد بعد، فثمة مساحات واسعة من الألم وأمام الشاعر أياما طويلة، وعليه أن يدون يوميات أخرى كثيرة، حتى يتعافى العراق. ومن موقعه كشاعر يتناول كريم في كتابه مسائل وقضايا تتعلق بالشعر كما يتحدث عن هواجس الشاعر ومخاوفه، ومشاغله، وهمومه: «الشاعر باحث عن الإيمان واليقين مثل كل البشر، ولكنه كتب عليه، دونهم، أن يظل كذلك دون أن يصل. كتب عليه أن يوسع من أفقه، ويزداد رحابة حتى يحتوي على كل الحياة، والناس، والأفكار،
بكل ما تنطوي عليه من تعارضات. الاستعارة، وهي جوهر تقنيات الشاعر، ما هي إلا تكوين رمزي مصغر لهذه التعارضات، والتناقضات، والتنوع في داخله وداخل الحياة. إنها كما نعرف تجمع متعارضين لا يجمعان. وكذلك شأن القصيدة بجملتها. إنها محاولة للتماس بين الواقع واللاواقع، بين الحقيقة والخيال، بين الممكن والمستحيل».
ورغم أن حديث الروح والفن يشغل الصفحات الأكبر في الكتاب غير ان الكاتب لا يهمل السياسة أيضا فيتناول في حديثه الفروقات بين السياسي والمثقف، والعلاقة بينهما، ويبدي وجهة نظر حول الحركات والتيارات السياسية التي كانت تعرف بـ «المعارضة العراقية» حتى قبل سقوط النظام العراقي،
ويعيب على دور الأحزاب السياسية في تلقين جيل من الشباب مجموعة من الشعارات الجاهزة، والأيديولوجيات العقيمة والفارغة ليصل إلى استنتاج، مضمر بين السطور وغير معلن، مفاده ان الريادة ينبغي أن تكون للفن، والأدب، والشعر، والموسيقى وغيرها من الأدوات التي تسمو بالروح، وترتقي بالمشاعر على عكس ألاعيب السياسة التي تعمل على تقزيم البشر.
لا مجال للحديث هنا عن كل ما يتضمنه هذا الكتاب فكما أشرنا فان الكتاب عبارة عن يوميات شاعر يعيش في المنفى، ومن طبيعة اليوميات ان تتناول مواضيع متنوعة تبدأ من تأمل الشاعر ندف الثلج من خلف النافذة وقد لا تنتهي بقضية في حجم الوطن بكل تعقيداته، وتشعباته، ومن البديهي أيضا ان تطبع هذه اليوميات بطابع ذاتي لشاعر يقدم قراءته الوجدانية للمواضيع التي ينتقيها عبر نثر لا يفتقر إلى اللغة الصافية التي يتطلبها الشعر،
فالشاعر ـ كما يرى فوزي كريم ـ يتغذى من النثر، أما من الشعر فقد يتصيد مصدر الهام. النثر هو الأرحب، يسوح فيه الشاعر دون حدود»، معتبرا «ان الشاعر الجيد ناثر جيد بالضرورة. وإذا تعطل جناح النثر فان جناح الشعر لن يحلق بعيدا حتى لو توهم. ورداءة نثر الشاعر تحوجنا إلى البحث عن مواطن العيب في شعره، حتى لو كانت خافية، لأن النثر هو المعيار الأوضح، والأكثر مباشرة لثقل الشاعر المعرفي، وسعة افقه الثقافي، ودقة وعمق نظره التأملي والنقدي، ورهافة حساسيته أمام الأشياء والأفكار».
ووفقا لهذه التصورات نجد فوزي كريم يستريح، بين الحين والآخر، من غواية الشعر ليعانق ظلال النثر كما يفعل في هذا الكتاب، وإذا كان الشعر بلاغة واستعارة ومجازاً فان النثر وضوح، ومباشرة، يستطيع معهما الشاعر ان يعالج اكثر القضايا تعقيدا دون أي أقنعة، ورغم ذلك فإن صورة الشاعر تتبدى بوضوح في هذا النثر إن كان ذلك على صعيد اللغة التي تقترب من اللغة الشعرية أو على صعيد المعالجة التي تستبطن الذات كما هو الحال في الشعر أو حتى على صعيد الموضوع، فالشعر والشعراء يحتلان المساحة الأكبر في الكتاب. الكتاب: يوميات نهاية الكابوس الناشر: دار المدى ـ دمشق 2005 الصفحات: 248 صفحة من القطع المتوسط
|
|