|
|||||||
الشعر العراقي: بانوراما*
فوزي كريم
1
بعد منتصف الأربعينيات من القرن الماضي كتب كل من بدر شاكر السياب ونازك الملائكة قصائد انتفعت من الأوزان العربية الموروثة، ولكن بطريقة جديدة تماماً. كان كل منهما يقرأ الانكليزية، ويعرف تي.اس. أليوت وحركة تجديده بالتأكيد. على أن المناخ العام، السياسي، والاجتماعي، والثقافي، في العراق كان أكثر من مؤهل لتطورات، بدت ملامحها واضحة في العالم العربي جملة. مع مطلع الخمسينيات تتابعت الحركات الثورية الانقلابية تعصف بالأنظمة العربية التقليدية. مع ما كانت تتمتع به هذه الأنظمة من احترام نسبي للقانون والدستور. ثم أن أفكار جيل النهضة من الرواد (جيل محمد عبده، وطه حسين، وسلامة موسى..)، في مصر ولبنان خاصة، قد آتت أُكُلها على الصعيد الفكري والأدبي. فلمَ لا يستجيب العراق، وموروثه الشعري والثقافي أطول تاريخياً، وأثقل وزنا، مقارنة بالعالم العربي؟ المحاولة التي تحمس لها كل من السياب والملائكة تعتمد نقلة جوهرية في النظام الوزني: من وحدة البيت، الى وحدة التفعيلة. أي من البيت الشعري الذي يعتمد بحراً إيقاعياً صارم القياس الحسابي لتتابع الحركة والسكون، في (تفعيلات) محددة لكل بحر وزني إلى التزام تفعيلة واحدة، تتوزع على الأبيات الشعرية بطريقة حرة، لا تخضع إلا لتدفق المعنى الشعري. ولكن النقلة الجوهرية لم تتمثل في اعتماد وحدة إيقاعية طليقة في تكرارها فقط، بل في تحرر الشاعر، بسببها، من القيود التي تعوق حريته في متابعة مشاعره ومخيلته ومعانيه. نقلة السياب والملائكة لم تمهد لوزن شعري جديد فقط، بل لمعنى شعري جديد. إن الموهبة التي تمتع بها السياب، والفضيلة التي خُص بها، في اعتماده على تجربته الداخلية أو الصراع الداخلي، مقارنة بما اعتمده الشعر المتوارث من "أغراض"، وأفكار شعرية هي ثمرة الصراع مع الخارج (آخرَ كان هذا الخارج أو فكرة أو حدث في التاريخ...)، جعلت "الشعر الحر" منطلقاً لبناء حداثة شعرية لا عهد للعربية بها من قبل. ولكن هذه الحداثة السيابية سرعان ما اختلطت بأشكال أخرى للحداثة داخل العراق وخارجه. خاصة حداثة لبنان وسوريا ذات التأثيرات الفرنسية، المتسارعة المزاج باتجاه مغامرات التجريب. إذا فهمنا معنى هيمنة "الغرض" الشعري في تاريخ الشعر العربي، (استجابة الشاعر لغرض خارجه كالفخر والمدح والهجاء والغزل...، لا لدافع فيه كضرورة داخلية) سنفهم معنى هيمنة "الأغراض" الجديدة التي أملتها مفاهيم الحداثة الشعرية على الشاعر. لأن الشاعر، في هذه المفاهيم، صار يتعامل مع تقنيات ومتطلبات فنية جديدة، ومع مضامين جديدة، ولكن تحت هيمنة صراعه مع الخارج ذاته. لقد ظل، كما كان، غافلاً عن الدراما المحتدمة في داخله. ارتضى أن يكتفي بلباس الحداثة على جسد غير حديث. "الأغراض" القديمة أخذت أقنعة جديدة، لها الجاهزية ذاتها خارج الشاعر. شاعر الحداثة اليوم يكتب عن "الوطن"، "الأمة"، "الحرية"، "التمرد"، "التجاوز"، "الحب"، "الموت"، "الثورة"، "العدو الوطني"، "العدو القومي"، "العدو الطبقي"، عن كل ما يستجد من أحداث التاريخ. ولكنه لا يقرب صراعه الداخلي. إنه ما زال يحتفظ بهوية الشاعر الداعية، الشاعر النبي، شاعر الرسالة، التي ألفها الشعر العربي. القارئ العربي للشعر اعتاد على هذه العلاقة المتبادلة بين الشاعر والمؤثرات المحيطة خارجه (أشخاص، أحداث، أفكار..). تربى على الاستثارة التي تعتمل في الشاعر بفعل هذا الخارج، والتي ينقلها الشاعر اليه بمزيد من التهويل، والزخرف. ولم يُتح لهذا القارئ، ولا للشاعر قبله، فرصة معرفة أن صراع الفنان مع نفسه هو أغنى الينابيع التي تفيض عليه بالفن الحقيقي. في العراق بدت لي المفارقة بين حداثة السياب وحداثات النسبة الكبرى من الشعراء الآخرين، واضحة المعالم. السياب لم يكن وحده بالتأكيد في اعتماد "الضرورة الداخلية". كما أن الشعراء الآخرين، في المقابل، لم ينصرفوا عن هذه "الضرورة الداخلية" بصورة مطلقة. بل بدت على عدد منهم، وخاصة أصحاب الموهبة العالية المتميزة، ملامح مفارقة متفاوتة الحدة. فتجد واحدهم يتألق في قصيدة بعيدة الجذور في خبرته الداخلية الغامضة الملتبسة، حتى لو اتخذت موضوعاً خارجياً. ولكنه في قصائد أخرى يتحول الى وعاء عاطفي للدعاوى، والمواقف، والأفكار، وردود الأفعال الآنية. والجمهور الأعم عادة ما يميل الى هذا الجانب من الشاعر، والى قصائده التي تثير أكثر من عامل للحماس لديه. السياب شاعر بالغ الحساسية، وعالمة الداخلي حافل بالتوترات، والشكوك، والتساؤلات. ضعيف البنية، سهل المكسر، عرضة للأمراض، ولا يتمتع بملامح جذابة. سكن المدينة بكيان ريفي. وعاش مرحلة محتدمة بصراع العقائد. العامل الأخير حاول، على مدى سنوات، إفراغ الشاعر من صراعه الداخلي، ودفعه بالإرغام الى الصراع مع الخارج. ولقد استجاب السياب مرغما لذلك. لا بسبب ضعفه وحده، بل بسبب متطلبات حداثة "أغراض" الشعر الجديدة، التي صارت أكثر إلحاحاً، وبسبب متطلبات حداثة "أغراض" الثقافة جملة. ولكن هذا الإرغام لم يسلب موهبة السياب من ينبوع تلك "الضرورة الداخلية". على العكس، فقد دفعته الى كتابة قصيدة عربية غاية في الجدة. قصيدة اتخذت من التاريخ صفحة ماء متحرك، تعكس عليها ذاتها المحتدمة. قصيدة السياب لم تتخل عن التاريخ، ولكنها أيضاً لم تستسلم له، لتصبح مجرد سجل عاطفي للحدث فيه، أو للموقف، أو للفكرة. حين كتب سلسلة قصائده عن قرية طفولته "جيكور" تحولت هذه القرية الى محور أسطوري في عالمه الشعري:
وجيكورُ خضراء مسّ الأصيل ذرى النخل فيها بشمسٍ حزينة. ودربي اليها كومض البروق، بدا واختفى ثم عاد الضياءُ فأذكاه، حتى أنار المدينة وعرّى يدي من وراء الضماد، كأن الجراحات فيها حروق. وجيكور من دونها قام سورٌ، وبوابةٌ، واحتوتها سكينة.
ثم تحولت في مراحل مرضه الأخيرة الى عاصمة سحرية لمملكة الموتى، التي انتسب اليها:
جيكور لمّي عظامي، وانفضي كفني من طينه، واغسلي بالجدول الجاري قلبي الذي كان شباكاً على النار.... أفياءُ جيكور نبعٌ سال في بالي أبل منه صدى روحي ... في ظلها أشتهي اللقيا، وأحلم بالأسفار والريح والبحر تقدحُ أحداقُ الكواسجِ في صخّابه العالي كأنها كسرٌ من أنجم سقطت كأنها سرجُ الموتى تقلبها أيدي العرائس من حال الى حالِ...
نازك الملائكة، ثاني المجددين، لم تكن تملك ما ملكه السياب من حصانة لرعاية الدراما الداخلية. كانت تملك هاجس الشاعرة الأنثى القلق، المتسائل. وتملك ثقافة إنكليزية جيدة. ولقد تعرضت كما تعرض السياب لموجة ضرورة الالتزام بما كان يُسمى بـ "القضايا المصيرية"، العالمية، والعربية، والمحلية. ولأنها لم تكن مثل السياب ومعظم شعراء مرحلته يسارية، فقد استطاعت أن تواصل الانتفاع من عالمها الداخلي الى حين. إلا أنها سرعان ما فقدت توازنها، وأغوتها موجة الصراعات العقائدية، وصراعات الأفكار لتصبح شاعرة الأهداف القومية. إلا ان الأمر لم يستقم معها بسبب انهيار كل أمل في نهضة عربية متعافية، فانكفأت على الذات ثانية، ولكن بصحبة عقيدة دينية، تصوفية، هذه المرة. شعراء هذا الجيل من الرواد انقادوا جميعاً عن طواعية الى العقيدة، تحت راية الالتزام بـ "القضايا المصيرية". هذا الانتساب الجماعي ينطوي على أصداء عربية، وعالمية بالتأكيد. شعراء العربية خارج العراق كانوا موزعين على محاور عقائدية أممية أو قومية: العقيدة الشيوعية، القومية العربية، القومية السورية..الخ . شعراء انكلترا وفرنسا (جيل أودن، وجيل أراغون...) في الثلاثينيات والأربعينيات كانوا نماذج ومُثلاً. ولعل الشاعر عبد الوهاب البياتي خير من يمثل هذا الميل لقصيدة الملتزم بـ "القضايا المصيرية". متمثلا شعراء عالميين من معاصريه (ناظم حكمت من أبرزهم). ولكن معظم عناصر التزامه الشعري صارت، مع السنوات، متوافقة مع عناصر الالتزام في أدبيات "ثقافة الاعلام" التي تبنتها السلطات الثورية، على امتداد العالم العربي. ولأن البياتي، شأن معظم الشعراء العراقيين من معاصريه، منقسم على نفسه بين صراع الداخل وصراع الخارج، فإن هذا التوافق مع إعلام النظام الثوري أفزعه، واضطره الى البحث في داخله عن هدى وإضاءة، وجدهما في نزعة الحب التصوفي السحري:
كان يراها في الحلم كثيرا منذ سنين. كانت صورتها تهرب منه إذا ما استيقظ أو ناداها في الحلم. وكان بحمى العشق يبحث عنها في كل مكان. كان يراها في كل عيون نساء المدن الأرضية، بالأزهار مغطاة وبأوراق الليمون الضارب للحمرة، تعدو حافية تحت المطر، تشير اليه: "تعال ورائي" يركض مجنوناً، يبكي سنوات المنفى وعذاب البحث الخائب عنها والترحال. (من قصيدة "حب تحت المطر")
شعراء قلة انفردوا بفضيلة الانصراف الى رصد ما يعتمل داخلهم من دراما، وقطف ثمارها من خبرات الداخل الانساني الفريدة. الشاعر بلند الحيدري والشاعر حسين مردان كانا في طليعة هذا التوجه. همومهما هموم شاعر المدينة المأزوم، الذي يستهويه الضياع لما فيه من فردية، ويستهويه البحث عن خلاص منه، لما في هذا البحث من تناغم مع المسعى الشعري العام باتجاه الالتزام بـ "القضايا المصيرية". كل منهما حاول خلق معادلة بين صراعه الداخلي والصراع مع الخارج. وكل منهما لم يفلح في تحقيق عمق شعري لهذه المعادلة. كانت موجة الالتزام بـ "القضايا المصيرية" أقوى من موهبتهما. محمود البريكان، من جيل السياب ومن مدينته البصرة، انفرد بقوة موهبته تجاه قوة الالتزام بـ "القضايا المصيرية". كان انتصاره لصراعه الداخلي صافياً، وغير ميال الى خلق معادلة مع مسار الشعر المحيط. ما كان يشعر انه مضطر لذلك، لأنه ببساطة اختار العزلة عنه، ومقاطعة النشر، بصورة ملفتة للنظر، على امتداد عقود. لم يتخلّ البريكان عن التاريخ، ولكنه أيضاً لم يستجب له بالمعنى الذي يصبح شعره مجرد ردود أفعال له. بل اختار، كفرد يملك مصيره بيده، المواجهة النبيلة:
على حافة العلم المتلاشي يطول الوقوف يطولُ مدى الإنتظارات. تُقرع في الظلمات الطبولْ ولا يتراءى أحد. على حافةِ العالم المتجمدِ تأبى الخيولْ ذهاباً، وتنكفئ الأشرعة ويخطو المسافر ظلاً وحيداً، وتخطو معه على الثلج ريحٌ قديمة.
في الستينيات، حين جاء حزب البعث الى السلطة، لاحق الشيوعيين، وزج أعدادا منهم في السجون. كتب البريكان حينها قصيدة عن سجناء منهم في سجن "نقرة السلمان" المريع. كتب عنهم كسجناء، لا كشيوعين. جردهم من تاريخيتهم، ليصبحوا مادة رمزية لكل سجين. كان يعنيه السجين، حيث يكون، والى أي ينتسب. الشاعر الملتزم سعدي يوسف لم يرضه موقف البريكان في قصيدته تلك: "ان قصيدة مثل (رسالة من قلعة المنسيين), وهي عن سجناء نقرة السلمان, الشيوعيين أساساً في الذاكرة المحايدة, معنية بموضوع العزلة والفراق, أكثر من القضية الملتهبة لتحرير العراق من ملوكه ووزرائه الفاسدين, بل أكثر حتى من قضية السجين السياسي التي منحها أُناس مثل بيكاسو وريتسوس والجواهري ما تستحق من تصنيف في الأقل." موقف سعدي يوسف يمثل موقف مرحلة شعرية عراقية وعربية، تمتد حتى أيامنا هذه. موقف العقائدي الذي ينتصر للإنسان (فقط حين يحمل هوية الرفيق العقائدي). فالسجين في السلطة الشيوعية، مثلاً، لا يعنيه من قريب أو بعيد. ولذلك يبدو موقف البريكان له غير مُرضٍ، لأنه معني بموضوعة "الوحدة والفراق" أكثر من موضوعة "تحرير العراق". وللشاعر سعدي قصائد عادة ما يبدو البطل فيها نموذجاً مشذباً للمناضل الطبقي ،داخل السجن:
"... كان يقول لي: مراكش الحمراء تُبنى الآن، عالية وعاصمةً فهل نحن الحجارةُ؟ نحن نبنيها، ولكن كي تكون عظامنا جبساً على الجدرانِ نبنيها، لتسكن نسوة التجار والغلمان..." (الأعمال الشعرية ج3، ص204)
أو خارج السجن:
"... رايات يحيى، ثوبك المنخوب بالطلقات يحيى في الشوارع، درعه كوفيةٌ رقطاء وثبتُه بُراقٌ أزرقٌ وسماؤه زرقاء... يا لفحَ الفتوة، أيها الجمر الذي لا يغتذي إلا بهذا الجمرِ يا ولدي: سلاما أيها المتقدم القدوس يا ملكا يسير مخضب الرايات..." (الأعمال الشعرية ج3، ص155) هذا الأمر يتطابق مع موقف كل الشعراء العقائديين، قوميين كانوا، بعثيين، أو إسلاميين. ورث سعدي يوسف زبدة تجربة جيل الرواد. ولذلك تبدو المفارقة في تجربته الشعرية، بين الانتصار للصراع مع الآخر، أو الخارج، والصراع داخل النفس، في أكثر درجاتها تطرفاً. قصائده منذ الخمسينيات، تبدو أحيان كثيرة رصداً نقديا لما يحدث حوله، في الشأن العراقي، العربي، والعالمي. هذا الرصد النقدي لا يصدر عن داخل متسائل، بل عن داخل يقيني. شاعرية سعدي الممتازة، وقوة غنائيته سوغت رصده الشعري هذا في ذائقة قرائه بصورة استثنائية. فالقارئ العراقي ميال الى القصيدة السياسية ذات النزعة الهجائية ضد السلطة، وضد التيارات المتعارضة مع حركة اليسار، منذ تأثيرات الشاعر الكلاسيكي الكبير محمد مهدي الجواهري. هذه النزعة بدت في شعر سعدي أكثر تورية، لأن حداثته لا تسمح له بالتصريح، وأعمق تأثيراً لدى الأجيال الشابة من المثقفين. لا يخلو شعر سعدي يوسف من هذا التداخل بين ما يحدث خارجه، وما يحدث داخله من صراع. إلا أنه تداخل عادة ما يصب في صالح صراع التاريخ خارجه، حين تكون دراما روحه الداخلية مقموعة باليقين الايديولوجي. أحياناً تفلت هذه الدراما الداخلية من اليقين القمعي، وينصرف الشاعر الى عالمه الخاص، عالم الشك، والالتباس، والريبة، والذعر. حدث ذلك بكثافة في العقدين الأخيرين من نتاج سعدي الغزير. في منفاه الباريسي كتب سلسلة من القصائد، بتواتر يكاد يكون يومي. القصيدة لا تكاد تخرج عن فضاء الجدران الأربعة لغرفة خانقة. يصبح سعدي، في هذه القصائد "تعبيرياً" بكل ما في التعبيرية الشعرية من بحث داخلي، حاد الحواف، متوتر الخطوط، ميال الى النشازات. مرحلة انتصر الشاعر فيها لصراع عالمه الداخلي:
هذه الضجة من أين؟ لقد غلقتُ أبوابي ولم أفتح على المفترق الشباكَ، والمذياع في زاوية الغرفة ملقى مثلما خلفته في الليلة الأولى... ولا قطرة في المغسل، لا نأمة تأتي أسفل البابِ ولا رقة في آنية الزهر ولا قطة تدعوني الى مخلبها، والصبحُ لم يأتِ ... إذنْ: من أين هذي الضجة؟ .... .... الليل الذي وسّدني الصخرَ، بطيءٌ مرهفٌ يدخل أذنيّ على إبرةِ خيّاط... كفى! (ج3، ص257)
ولكنه سرعان ما وجد في الحرب الأمريكية لإسقاط دكتاتورية صدام حسين فرصة للعودة الى الانتصار لصراعه مع الخارج، مع التاريخ (الاحتلال الأمريكي)، وبحماس شديد هذه المرة.
*هذه الدراسة كُتبت استجابة لطلب من مجلة Lyrikvannen السويدية. تُرجمت ونُشرت في عددها 5/2006.
|
|
||||||
|