|
|||||||
ثلاث قصائــد
فوزي كــريم
الدرس العصي
في ساعة المغيبِ تبدو سحبُ الخريف مثل قطيع الماشية منثورةٍ خرافه على المدى المطلقْ. ستةُ سيقان لنا في فتحةِ التنورْ ونحنُ حولها جلوس، نأكل الخبز، ونحصي في المدى المنظورْ أيامنا الهانئة التي تبقت، قبل أن نباشرَ العام الدراسي.
تُقبلُ أمي كلَّ حين لترى ملاكها الحارس يحيطنا بالدفء والرعاية. تصغي إلى رسائل الطيور في القافلة المهاجرة لها، لكلّ كائن منتظرٍ يُشبهها، ثانيةً، وتمضي. كأنها تلقّن الدرس العصيّ لي، أنا الشاعرُ في مقتبلِ العمر.
لذا يرفعني التنهّدُ الخفيُّ دون أخوتي، أعلى من النخيلْ. ثم أعودُ فاقدَ الدفءٍ لدفءِ إخوتي الجميلْ.
وفجأةً يخطفني الطائر ذو المخالب الكاسرة، يعبر بي العمر، الذي يشبه في احتراسه مدينةً محاصره. وإذ تحينُ غفلةٌ من الزمان يقذفني. وها أنا أدورْ حول رحى الحاضرِ. لا أنفك أُحصي في المدى المنظورْ ما أبقت الأيامُ، قبلَ أن أباشر الدرسَ العصيّ!
29/1/2009
ابنةُ الخال
إبنةُ الخالْ تَنشدُ النهرَ عند الظهيرة. في اليمين تجرجرُ أُختاً صغيرة، وتحاول أنْ تُطلق النهدَ عابثةً في الشمالْ.
قدمانْ كساقيتين على التربة الساخنة تجريانْ. وسرعان ما تنشفانْ، بفعل الهجيرْ. وأنا أتلصّصُ من كوّةِ البيت، يبلغني من تماسّ الرداء على الفخذِ المستديرْ كثيرٌ من الهمس.
وكما يلسعُ الرملُ أقدامَنا، تلسعُ الشمس. والماءُ يُطفئُ ما يُشعلانْ.
سوى جمرةً مستديرة أبداً في اشتعالْ، تَرَكَتْها معي، وهي تَنْشدُ دجلةَ عند الظهيرة، إبنةُ الخالْ!
11/8/2008
في الباص
صحةُ جسدي تستدعي ساعةَ مشي متباطئ. ولأني استثقلُ وحدةَ خطواتي دون أنيس، أو أرتابُ من الذكرى، (في الليلِ بشكلٍ خاصْ!)، أنْ تثقبَ رأسي كرصاصةِ قنّاصْ، أنتظرُ الباصْ، حمراءَ، لها ما للبيتِ الآهل من دفءٍ، وضجيجٍ، ونيونْ.
يؤنسني فيها وجهُ الإنسانِ، بفعلِ فرادتهِ: الوجهُ الخام، الغافلُ عمّا يعتمل وراءَ قناعه. والوجهُ المرآةُ، الكاشفُ عن أسرار مسرّتِهِ أو أوجاعِهِ. ولأجلِ تأملِهِ عن قربٍ، لحظةَ يدخلْ، أنتخبُ المقعدَ في الصفِّ الأولْ. وعلى وجهي سيماءُ رضا من راضَ الدنيا حتّى روّضها.
حمّالةُ بنطالي لا تسمحُ للبنطالِ، إذا ما اتّسعَ بفعلِ هُزالي، أن يهطل!
سيدةٌ من باكستان، نهضتُ لها، فأعادتني كالمُقْعَدِ للمَقعدْ. شيخٌ أسودْ أبصرني مبْتسماً، فتغاضى عما أبصر في عينيّ. جمهرةُ تلاميذٍ كطيورٍ كاسرةٍ هدّت أركان الألفة في البيتِ الآهلْ. مخمورٌ رطنَ بحفنةِ كلمات، مازالت تختبرُ خطاها الأولى في معناها! وخليطٌ لا وجه له، مغمورٌ في شاشاتِ الـ I Pod أو الـ Mobile.
وجهي يرتبكُ جواري، فوقَ زجاجةِ نافذةِِ الباص، يختلطُ بماء بخارِ فمي، بغصونِ الأشجارْ فوقَ الأرصفةِ، وماءِ مظلاّت الأمطارْ بيدِ المارة. فأُسرُّ لهذا الفيض من الأحياءْ ومن الأشياءْ تحت ردائي.
أتماسكُ خشيةَ أن أتهاوى من عليائي!!
20/3/2007
|
|
||||||
|